اكتمل العقد (2008 – 2018) واكتمل الاغتيال.. انها قلادة جواهر متخثرة على صدر راحل اضاء واختفى كنجم غريب.
يكتمل الاغتيال بتحقق الغاية وراء الجريمة لأننا إذ نرى اليوم الى حال الثقافة وحال الوطن بعد تلك السنوات المريرة نًدرك ان الايادي الآثمة التي اطلقت رصاصات الموت قد اصابت اهدافها..
كنا معاً. بدأنا العمل في وزارة الثقافة مباشرة بعد سقوط النظام الدكتاتوري. كنت في اليونسكو بباريس وهو في مقر الوزارة ببغداد. تعرفتُ على الراحل بالعمل وبدأت بيننا الصداقة والزمالة في آن..
اول انجاز قمنا به هو "مؤتمر الستراتيجية الثقافية لما بعد الدكتاتورية" في منظمة اليونسكو 2004، وكان ثمرة حوار عميق بين المنظمة العالمية ووزارة الثقافة الجديدة لبناء ستراتيجية تنهض بالعمل الثقافي في مجتمع كانت تسيطر عليه الدكتاتورية والحكم الفردي الاستبدادي لعقود طويلة. ثم انتقل الى العمل الثقافي في هواء الحرية والديمقراطية.
لم يكن بديهياً هذا الانتقال ولا يكفي وضع وزير شيوعي على رأس الوزارة لتحْدُثَ هذه النقلة الجوهرية وكنا نتحاور هو في الوزارة ببغداد وانا في باريس حول هذا المشروع الحيوي.
ادركت خلال هذه العملية عمق فكر الراحل وقدرته على هضم وتجاوز التناقضات وتفانيه في الوصول بالعمل الثقافي الرسمي الى أعلى درجات الجدوى والمهنية.
نجحنا بدعم من الوزير مفيد الجزائري ومنظمة اليونسكو في إقامة المؤتمر الستراتيجي للثقافة العراقية، في باريس بمشاركة عالمية واسعة وحضور عراقي كبير. وقد اعتمدت المنظمة نموذج "افريقيا الجنوبية" باعتبارها الدولة التي نجحت في اقامة ثقافة ديمقراطية تعددية بعد عقود طويلة من النظام العنصري.
قدمت اليونسكو تقريراً بثلاثين صفحة حول آراء وتوصيات المنظمة الدولية للعراق. لا اعرف اليوم مصيره.
لم نكتف.. اقامت الوزارة مؤتمراً عراقياً بحتاً لفروع الثقافة (2005) كافة انطلاقا من توصيات اليونسكو وكان بإشراف ورعاية الراحل كامل شياع.
هكذا كان مفكراً وناشطاً كبيراً في تأسيس مشروع ثقافي على مستوى عالمي في العراق تحت رعاية اكبر المنظمات الثقافية العالمية (اليونسكو).
انطفأ هذا المشروع الستراتيجي العالمي من اجل العراق بإنطفاء كامل شياع، الصوت الهادئ والهادر.
اتذكر معاناته عندما كنا نلتقي ولكنه في كل مرة كان يقول: "هذا قدري" لا يمكن التوقف او العودة الى وراء. حتى انه يوما قال لي ان مُرَتّبَهُ في الوزارة لم يكن يكفي ان يساعد بجزء منه ابنهُ الذي ظل في بروكسل. كامل شياع قدم نموذج المناضل المخلص الذي دفع اغلى الاثمان ليخدم الثقافة العراقية.
ان اغتيال كامل هو الاغتيال الـ "كامل" لصورة المثقف الذي عرف كيف يوظف كل طاقاته من اجل العراق.
يظل كامل شياع صوت المفكر الذي كتب بالحبر والدم اجمل سطور العطاء والبذل.
ان سقوط كامل شياع ضحية قوى الظلام والحقد والتخلف كان مؤشرا واضحا لما آلت اليه مأساتنا الثقافية اليوم. لمن يريد ان يتعظ..
كامل شياع؛ سلاماً لروحك النبيلة ووداعاً لحاضرٍ بيننا لن يغيب.