معماريا تتألف رواية "نساء ماهر الكيالي" للكاتب ياسين شامل من طابقين:
* بصرة بعد سقوط الطاغية، وهي لحظة التحرر التي لا تصدق وسعادة الناس بحرية ٍ جديدة عليهم، حرية وامضة فسرعان ما" طالت الاغتيالات الكثير من الناس، وقتلت التفجيرات المدمرة أسماء مهمة.. "الكل مهددون، لكن النساء يتصدرن القائمة.
والعنف سينوش شخوصا في الرواية: المليشيات تختطف نغم التي ستحول اسمها الى نجوى أثناء التحقيق الصوري معها من قبل "الصكاكة" وبشهادتها" جاء الشخصان وكمما فمي، وتم ربط يدي ورجلي، وضعت في صندوق السيارة وانطلقت بي سيلقى بجثتي في مكب النفايات قرب الجسر، كغيرها من الجثث التي يلقى بها كل يوم هناك أوفي مناطق أخرى. القوات البريطانية تطارد شهاب أحمد وبشهادة السارد.. "طاردته القوات البريطانية وحاصرت بيتهم من أجل اعتقاله، لكنه قاومهم، فأردته رصاصة قناص متربص قتيلا، عندما حاول الفرار من سطح بيتهم الى بيت جيرانهم.. أما شذى خالة ماهر، فيخبرنا السارد" صعدت فوق الكتب ووضعت الحبل في رقبتها، وشنقت نفسها" وقد مهد السارد لذلك بعلاماتية حادة في قوله
"مسقط المروحة المعلقة في السقف نزل عموديا على الرواية" ثم يأتي التمهيد الثاني أعني الخبر المباغت الذي سمعته من مدبرة المنزل جوليا "حفل زفاف ماهر على سماح".. وحين تتأكد من ذلك مرة ثانية، توصل رسالة شفوية الى ماهر من خلال جوليا "إذن بلغي ماهر، عندما يعود الى البيت بأنه لن يجدني".
* هناك جانب سلطوي في البصرة يمثله دكتور حسون ومحسن راضي، حيث يصبح الأول رئيس وزراء والثاني وزير الثقافة.
كل هذه التوليفة ومشتقاتها تمثل الأفقي/ البراني في حركية الرواية،..
"2" المستوى الجواني/ العمودي/ الثقافي / الحدسي/ الأيروسي/ الدونجواني.. إلخ كل هذه المفردات/ التراتبيات: تتجسد في شخصية ماهر الخيالي.
"*"

من هو ماهر الخيالي؟

من شهادة خالته شذى سنكتشف ماهرين في ماهر الخيالي، إذن ماهر من الشخصيات المشطورة، يبدو أن ماهرا قبل سقوط الطاغية، لا يشبه ماهر بعد السقوط بحسب شهادة خالته عنه "كان ماهر حالما طول الوقت غارقا في رواياته وكتبه، وليل موسيقاه التي تخترق الحدود، وتلك التهويمات ما بين الحقيقة والحلم. كان ينث رقة وحناناً ليس له عداوات، هو صديق الجميع"، أما ماهر نفسه فيحدثنا "ترك والدي ثروة، وحمّلني تبعة ثقيلة ناء كاهلي بها، المكتبة العامرة بالروايات والكتب المختلفة، وما مسطور وما يتحرك فيها، اكسبتني الخيال ودخلتُ الحلم الذي ساقني نحو نساء من ماء أو من سراب، لم يلبثن أن تحوّلن إلى نساء حقيقيات، نساء من لحم ودم، فخرجت من جبة الحلم، هل يصح الخيال وسيلة ناجحة بديلا للتعامل مع شؤون الحياة؟ ها هن النساء يحطن بي، أكثر من أيام الجامعة".. نلاحظ أنه من الثروة المعرفية الكبرى، أكتفى ماهر بالكتب الروائية، ونسجتْ قراءاته الروايات كائنات نصية عششت في ذاكرته ثم قامت بتصنيع الحياة الأجمل، وبشهادة ماهر "لم أستطع مغادرة الخيال، فعالمه جميل، فقد تقاطع بشدة مع الواقع المرير. فمن يقظة أحلام الماء، وبشهادة المعلم غاستون باشلار عندما يفلت حالم التأملات الشاردة" من المشاكل التي تأتيه من مشاكل الآخرين، عندما يصبح فعلا صاحب عزلته يستطيع أن يتأمل مظهراً جميلا من هذا العالم دون أن يحسب الساعات - شاعرية أحلام اليقظة" وماهر يتماهى فيما يقرأ من روايات وبشهادة شهاب أحمد يتقمص "الدور في الكثير من الروايات التي أدمن على قراءتها، فقد تأثر كثيرا برواية الليدي تشارلي لكاتبها لورنس. بعد أن قرأها في البستان الذي يحيط ببيته وكانت فتاة قروية تمر بين النخيل. ربما رأى الليدي تشارلي عارية بكل تفاصيلها الجميلة بين الاشجار. انه صائد نساء، من أي صنف ومن أي نوع"، وبخصوص مؤثرية الروايات عليه، التقطتها سماح وهي تعيد قراءة رسالته الغرامية اليها فعقبت قائلة لصديقتها آن "هل الخيالي بهذه الشهامة وبهذا الرقي الذي سحّ من كلمات وسطور الرسالة المنبثقة من عمق التاريخ، أم أنه نسخ كلامه في حومة سرحانه مع خياله الجامح، أم أثرت فيه أحداث رواية من الروايات، فابتدع هذه المقولات".
"*"
في الرواية نتعرف إلى وظيفتين سرديتين يمارسها ماهر
(1) شخصية رئيسة محورية، مشاركة في صناعة الاحداث الروائية
(2) شخصية سارد عليم، يعرف تصرفات بقية الشخوص، فهو يخبرنا عن حالة سماح بعد محاولة الابتزاز المالي من قبل أحدى المليشيات "خافت سماح. عليها أن تعمل شيئا، خشيت أن يكون هذا جزءاً من العقاب الواقع عليها كونها علّقتني كثيراً، فقد تعذبت أكثر من هذا العذاب الذي داهمها فجأة. هل تذعن لما يريدون؟ وتنفذ طلباتهم دون أن يعلم أحد بها"، وهذه عينة أخرى تؤكد ان ماهر ضمن الفضاء الروائي: هو عالم الشهادة والغيب "لم تصارحني بما جرى حتى أوصلتها إلى بيتها" والسؤال هنا يعنيه: هل ثبّت ماهر كاميرات سرد خفيه يجعل سماح من خلالها مكشوفة لديه..؟! ووضع هواتفها تحت المراقبة، كما فعل شقيقها نادر؟ وهل عرفت سماح بفعلة ماهر كما عرفت بفعلة شقيقها؟ وبحسب ماهر نفسه" حسبت أنني عرفت أمورها المخفية، ورأيت مالم أره منها. حنقت، ثم تلمست جسدها، وألقت بكل اللائمة علي".
"*"
نلاحظ أن ثمة خطوات يخطوها ماهر تثير الريبة عند أقرب الناس إليه، فانتقاله الى البيت الذي اشتراه من الدكتور حسون بدر جعل خالته شذى وبشهادتها "تشاءمت من هذا البيت، كونه يشبه السر"، أما حفلة زفافهما ماهر وسماح فبشهادة السارد "كان حفل الزفاف شبه يتيم لم تتم الدعوات الرسمية التي كان من المزمع ارسالها إلى جهات رسمية ومسؤولين كبار، وآخرين عدمت الحاجة لدعوتهم"، وتختلف الآراء حول ماهر، لكنها تتفق على تموضعه الطبقي السعيد وبشهادة خصيمه شهاب أحمد "خلال طفولته كان مدللاً. لم يعرف الفاقة في كنف أهله وثروتهم الكبيرة من ناحية الأم والأب التي آلت إليه فيما بعد".
"*"


كل إنسان يحتاج نسخة سردية عنه من خلال سواه، وهكذا يتم تواصله المرآوي مع نفسه، عواطف التي كانت طفولتها مريرة ًبسبب طلاق الوالدين، افتقدت ما تحتاجه طفولتها من حنان أبوي وتكفلتها أنوثة مضطهدة: أم تكدح لتؤّمن مستقبل ابنتها، من هنا عواطف وجدت العمل كمترجمة لقوات الاحتلال فرصتها المغرية المؤاتية لتوفير راحة لوالدتها، عواطف لا تكتفي عند هذا الحد تريد فرصتها السردية "لو دخلت خيال ماهر من هذا الباب، لنسج قصة جميلة، ربما تفرحني وتبكيني في الوقت نفسه"، نغم المسقطة أخلاقياً، استعملها شهاب أحمد لمآربه لكنها رفضت طلبه في تشويه سمعة ماهر في المعسكر "سأدفع لك مبلغا لو أشعت في المعسكر، أن ماهر هو الذي اغتصبك في البستان وكنت قاصراً عمرك لم يتجاوز الرابعة عشرة../73" سؤالي هنا كقارئ للرواية بماذا يضر ماهر هذا الأفك؟! هل الذين في المعسكر سيغيرون نظرتهم نحو ماهر؟! وهل هؤلاء المحتلون يعيرون اهتماما لمثل هذه الأمور؟ ثانيا ما فائدة هذه الشائعة التي فات الوقت عليها؟ ثالثا: وبشهادة نغم نفسها" أنا الفتاة السمراء في عهدي الجديد، كل يوم في الصباح الباكر أدخل المعسكر. لا يعرفني اليوم من رآني سابقا، يرى فتاة أخرى ليست نغم القديمة، بمشيتي المتمايلة فقد غيرت كل شيء، اختلفت صورتي عن سابق عهدها. ذبحت ماضيي بسكين حادة ودفنته في صحراء بعيدة قاحلة". ..توقعات ماهر مؤسسة على مجريات الأحداث هي التي انتجت الفعل الاستباقي الذي سترتكبه شذا، وبشهادة ماهر.. "لم تقبل سماح ببيت منار السابق، هذا الحدث المتوقع أن كان واقعا يمثل بالنسبة لشذا الانتحار بعينه"..
ليس مخيال ماهر الذي انتج فعلا استباقيا لنهاية نغم، بل شراسة متغيرات ما بعد سقوط الطاغية، ونغم لا تملك من حياتها سوى غريزتها وهي ليست وحدها التي تجاوزت الخطوط الحمر، كل الذين استعملهم الاحتلال فعلوا ذلك، لكن نهايتها المأساوية بتخطيط من شهاب أحمد، مثل تشغيلها في المعسكر، شهاب هو آخر من رأته تلك الليلة "في ذلك اليوم الشتائي كانت الريح تلسع أنفي، رآني شهاب وأنا أخرج من المعسكر، وتبعني حتى الشارع العام وما أن أصبحت في الشارع العام حتى التقطتني سيارة سوداء" نغم ليست مثلما يشخصها ماهر "أنت تسيرين نحو حتفك"، نغم ما ملكت ملعقة ذهب بالوراثة مثل ماهر كما ليست البغي الفاضلة التي هي نتاج وعي زائف في الرواية العالمية والعربية. هنا عيب ماهر، حين يطالبها أن تكون مثله في قوة الأقنعة، أن تغير مكان إقامتها أو تختفي إلى حين، أو تهاجر، هذه الإمكانات متوفرة لديه هو أما نغم وبشهادتها" من يوم وعيت على الدنيا، لم أكن بخير، كيف أتوقف وأكون بخير، هل توقف ماهر عن لعبة الخيال، وأصبح بخير؟ فهو لا يزال يعوم في بحره، لم يهاجر، ولم يختف. كان بإمكانه تغيير سكنه، ليس بمقدوري غير تغيير السرير والرجال"، وعيب ماهر الثاني ينتج خطابا ثقافيا متعاليا ويطلقه نحو نغم فتفكك نغم خطابه من الخارج "لم أفهم شيئا مما قاله ماهر الخيالي، ولا أستطيع مجاراته في الكلام، يصيبني الصداع عندما يكلمني، ولا أقوى على الإصغاء، كنت مرغمة على سماعه، هو حقا خيالي"، في لحظاتها الأخيرة، تلتقط شذرة وتتمنى حياكتها "تمنيت لو أن ماهراً حاضر في خياله، فخيالي ليس ذا جدوى، لكن من أين آتي به في هذه الساعة. ربما هي نهايتي التي أشار إليها، أو كتبها في أوراقه".

عرض مقالات: