كثر في السنوات العشرة الأخيرة، أي بعد عام 2003، اصدار الروايات العراقية، ان كان ذلك من كتاب عراقيين من خارج العراق، أو كان ذلك من داخله. وقد وجدنا نقلة كبيرة في الرواية في العراق من ناحية "الكم" الذي لا يعول عليه في دراسة جودة الناتج الادبي، أي امتثاله لشروط النوع الأدبي. فهل هذه النقلة قد أفرزت نقلة أخرى في "النوع"؟ أي إفراز ما كان يمتثل لشروط النوع الأدبي. لهذا تجدنا نتساءل: هل وصل الفن السردي في العراق الى مبتغاه؟ إن كان ذلك بصورة سلبية أو إيجابية، بحيث صار على السارد، والدارس، والناقد، غلق الأبواب، والاعتماد على ما كُتِب فيه، اعتمادا على "الكم"؟ أم أن هناك رأيا آخر يجد أن "الكم " سيخلف نوعاً؟
طرحت هذا التساؤل على ذائقتي وأمامي مئات من النتاج السردي، "استخدم السرد هنا بصورة عامة، اذ يضم الحوار والوصف في بنية واحدة"، الذي تمتلأ به المكتبات في بغداد والمحافظات، وكذلك يهدى أغلبه دون أن يباع، "في الدول العربية لا يأكل الكاتب من نتاج يديه الأدبي"، ان كان ذلك في الرواية، والقصة القصيرة، والقصيرة جداً، قد انتشرت في الصحافة، والمجلات، و المواقع الإلكترونية، وسوق الكتب، وبين المتلقين، والقراء ومحبي كل فن سردي ذكرناه، أي "كَمٌ" كبير.
تاريخياً، ومنذ بدء الكتابة، لم تنفك ذائقة المبدع العراقي تنتج سرداً، لكنه سرد نوعي لا كمي. ابتداءً من الأسطورة السومرية، والبابلية، والاشورية، وحتى آخر قصة قصيرة جداً قد كُتبت في وقتنا الحاضر، مروراً بالحكاية، و"السالفة"، كبر حجمها أم صغر. حيث كانت ملحمة "أسطورة" جلجامش، وحكايات ألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، والبخلاء، ثم تلت ذلك الروايات، والمجاميع القصصية الحديثة.
ان هذا القول يؤكد لنا أن أبواب السرد ما زالت مفتوحة، ومشرعة للجديد. انها مثل جهنم وهي تنادي هل من مزيد؟ كما في المفهوم الاسلامي، والمزيد الذي تطالب به هو في "الكم" و"النوع" على السواء. ذلك لأن فنون هذا العالم، لم تكن من "الأشياء" التي تغلق أبوابها، بعد أن تملأ بأي شيء، ولأسباب كثيرة، ربما أحدها ذاتي النشأة. اذ ينتج هذا السبب من نفس هذا العالم، كالملحمة مثلا، على الرغم من أسلوبها الشعري، إذ أنها، في وقتنا الحاضر، قد ماتت، أو أفلت على أقل تقدير، لأسباب منها الدافع القومي في نشأتها، أو نوعية بطلها النصف إلهي. مثل ملحمة :"جلجامش"، و"الإلياذة"، و"الإنياذة"، و"الفردوس المفقود" و"الشاهنامه"، و"المهابهاراتا"، و"عنترة بن شداد"، و"تغريبة بني هلال"... وغير ذلك من الملاحم التي تعرفنا عليها، أو التي لم نتعرف عليها حتى الآن.
ان الفنون السردية، وخاصة الرواية، في العراق، في وقتنا الحاضر، تتميز، بما تتميز به الفنون الإبداعية الأخرى. حيث أنها تحمل الغث والسمين من النتاج الابداعي من ناحية الشكل والمضمون، وما يتفرع منهما من عناصر أخرى، منها "الشخصية"، مثلاً، التي تتميز بالغث والسمين الذي أصاب الرواية فتركتها حية، نابضة بالحياة، أو مصابة تشكو المرض والعلل.
إن الفنون السردية في العراق – خاصة الرواية - ما زالت حية، نابضة بالحياة، كالأشجار الدائمة الخضرة، لا تنفك تعيش محافظة على خضرتها اليانعة، و تجدد نفسها في كل لحظة بالتخلص من الأوراق التي مات فيها نسغ الحياة، أي إننا نستطيع أن نخرج بـ "نوع" ما من هذا "الكم" الهائل من الروايات المنشورة، ونقول عنه انه روايات عراقية ناجحة دون أن تؤثر فينا جوائز الرواية التي كثرت في الآونة الأخيرة، وتأخذنا في تشعبات دروبها العويصة التي ليس لها علاقة بفنية الرواية و طرق كتابتها، وقبولها من المتلقي النهم لقراءة هذا النوع الأدبي الذي أصبح ديوان العرب الأمثل والأكمل و الأتم.
هوامش لا بد منها بالنسبة للرواية:
- الرواية ما زال طريقها ترابياً موحلاً فيه مطبات كثيرة.
- الرواية مثل الشجرة اليانعة السامقة تجدد نفسها في كل لحظة.
- الكم يفرز منه النوع. "وهو تعارض بين الهامشين الأول والثاني".
- جوائز الرواية لا تصنع روائياً تمتثل روايته لشروط النوع الأدبي.
- ليكن الهدف الأساس هو كتابة رواية تمتثل لشروط نوعها، فليكن هدف الجميع ذلك، ونفك التعارض ذاك.

عرض مقالات: