( 1 )

يتردد كثيراً، وكلما ذُكر الشاعر الفرنسي المعروف (جاك بريفير)..، فإنه يوصف بالشاعر الشعبي. ولم يتضح، هل ان الوصف هذا قد جاء بسبب أنه يكتب بالمتداول اليومي من اللغة الفرنسية، أي من خارج قواعد هذه اللغة..؟ أم أنه شاعر منحاز لقضايا الشعب الفرنسي وان شعره يتم تداوله بشعبية واسعة..؟

إن مفردة (شعبي) في التعريفات القاموسية المعتمدة تحتمل المعاني: المنسوب الى الشعب، ما هو صادر عن الشعب أو معبر عن رأيه، صفة تُطلق على ما هو منتشر بين الشعب أو خاص به، او ما هو مألوف عنده او ما يحبّه او يرضى عنه، او صفة لما هو رائج عند عامة الشعب، او ما يلاقي منه القبول، او خاص بالفولكلور والعادات الشعبية، محبوب من الشعب، متعلق بالشعب، الكتابة باللغة المنتشرة بين الشعب. وفي الآداب: هو مذهب أدبي يحاول أتباعه في أدبهم أن يصوروا بواقعية حياة عامة الشعب.

( 2 )

من معاينة التوصيفات والتعريفات المارّة الذكر، وقراءة شعر جاك بريفير، يكون الاستنتاج المقبول: انّ الشاعر اكتسب التوصيف (شاعراً شعبياً) من واقعية شعره في توصيف حياة عامة الشعب وباللغة السائدة بين الشعب.

( 3 )

في كتاب (ثورة الشعر الحديث، الجزء الثاني) للدكتور عبدالغفار مكاوي، ترد ترجمة الشاعر جاك بريفير على النحو الآتي:

جاك بريفير، شاعر فرنسي، ولد في نوبي – سين – سين)..، شاعر ومؤلف كتب أطفال وكاتب سينمائي. اشتهرت قصائده واغانيه التي جمعها في ديوانه (كلمات 1964) في الأوساط الشعبية، وقد عبّر في كثير منها عن وقوفه في صف الفقراء والمضطهدين، وتغنى بجمال الحياة وبهجتها. اشتهر شهرة عالمية بتأليفه لسيناريو فيلم (أطفال الفردوس 1944) الذي اشترك في تمثيله الفنان الكبير (جاك لوس بارد)..، وفيلم ميناء الضباب 1938، وعشاق فيرونا 1948، ومن اعماله الاخرى: الأسد الصغير 1947، ورقصة الربيع الكبرى 1951. ومن هذه الترجمة يتأكد لنا جذر الوصف (شاعر شعبي)..، حيث ان قصائده واغانيه قد اشتهرت في الاوساط الشعبية، وعبّر فيها عن وقوفه مع الفقراء والمضطهدين. ومن شعره:

لا تذهب الى هناك

كل شيء قد رُتّب من قَبْل

اللعبة زُيُّفت

وعندما يظهر في الحلبة

تحيطه هالة المغنسيوم

عندئذ ستدوّي اصواتهم "حمدٌ لله"

وقبل ان تنهض من مقعدك

سيدقون لك جميع الأجراس

سيقذفون في وجهك بالأسفنجة المقدسة

ولن تجد الوقت لتتشبث بريشة

سيلقون بأنفسهم عليك

وسوف يصيبك تحت الحزام

وعندئذ تنهار

وذراعاك مصلوبتان في غباره

في انتشاره

ولن تقوى ابداً على الحب.

( 4 )

جاك بريفير، ومن خلال الترجمة، وشعره يكون قد اكتسب التوصيف (شاعراً شعبياً) من خلال المعنى الأدبي لمفهوم شعبي ايضاً، اضافة الى الانحياز لقضايا شعبه، وبخاصة الفقراء والمضطهدين، وبذلك لم تقف (الشعبية) حاجزاً أمام هذا الشاعر لأن يكتسب الشهرة العالية، ويكون شاعراً عالمياً في المعايير الفنية والجمالية.

إذن، جاك بريفير، الشاعر العالمي، شاعر شعبي، ومن هنا يكون الاستنتاج جازماً انّ اللغة واللهجة في الكتابة الابداعية، وبخاصة في حقل الشعر، يمتلكان التوازي ذاته، عندما يتوافر الشاعر على التجربة والثقافة والموهبة. جاك بريفير مثالاً، لا حصراً...

عرض مقالات: