كعادته الكاتب ميلان كونديرا يخدع ذائقة المُتلقي بالعناوين الذي يطرحها من خلال اعماله الروائية، كما في البطء وحفلة التفاحة؛ فهو يطرح فلسفته العبثية الاجتماعية من خلال شخوصه الروائية التي تنسجهم وفق مبررات اجتماعية وينتقيها من الفوضى  التي  نعيش فيها.. يطرح كل ما يتعلق بإدق القضايا الاجتماعية والاقتصادية والتحولات الناتجة في المجتمع من خلال ما يمر به الناس من انعطافات ثقافية وسياسية.

كونديرا لديه القدرة الدقيقة على اقتصاص أجزاء من المجتمع ويركبها وفق خيالاته السردية الاجتماعية، ويتناول المجتمع  بكل تفاصيله في اعماله كأنها قرية صغيرة ويغور في تفاصيل الانسان من حيث الطفولة - الشباب - الشيخوخة؛ يتناول المراحل العمرية التي يمر بها الفرد؛ هذا ما نلتمسه من عمله "غراميات مرحة"، ترجمة: فوزي شعبان.

يقسم ميلان كونديرا العمل الى اجزاء "لن يضحك أحد - التفاحة الذهبية للرغبة الخالدة - لعبة الاستيقاف - ليترك الأموات القدامى المكان للأموات الجدد".

 ما يود ان يتوصل اليه كونديرا؛ المرحلة العمرية لدى الانسان ،كيف يقسم رغبته الداخلية المكبوتة؟ التي تتعرض الى الحرمان في فترات يمر بها الانسان؛ تناول كونديرا مفهوم الشخوص داخل رواية غراميات مرحة "كلارا – زاتوريكي – كالوزيك - ماري - جورجيت – مارتي" على انها كائن متغير قابل للظروف التي تحيط بها سواء كانت ثقافية ام أجتماعية او سياسية، فيبدأ ملحمته الاجتماعية كونديرا من خلال الاماكن البسيطة؛ ينطلق في روايته في الفصل الاول في حانة  كالوزيك مع كلارا ويدور حديث بينهما وعن تقاضيه مبلغ من المال عن بحث نشر له في مجلة تاريخ الفن ، بعد ما رفضت مجلة الفكر التشكيلي الذي وصفها بالحذر والشيخوخة، اثناء السهرة الجميلة يعرض نفسه الى محنة قاسية من خلال تعليقه على  رسالة مقال "زاتوريكي" التي وصلت اليه عن طريق البريد: التي وصفها بالمدح والثناء بعيداً عن الفحوى والفن ، كل ما قاله أطراء وكلمات تشجيعية، الا ان صاحب المقال فهم العكس واعتبرها شهادة فطلب من الاكاديمي الاستاذ ان يرسل خطاباً لهيئة التحرير وأن يحثهم على النشر ، صاحب المقال "زاتوريكي" لم يقتنع بالرسالة التي كتبها الاستاذ اليه وشرح لهُ من خلالها أن أراءه عن الرسم الزيتي كانت تعتبر خاطئة تماماً وخاصة من قبل هيئة التحرير "الفكر التشكيلي"، لكنه لم يكترث؛ انه مُصر على قناعة تامة أن ما كتبه يستحق النشر، لذا:

- كثف زياراته الى الاستاذ، فبدأ يقابله ويناقشه

- الى ان وصل الحال أن يراقبه باستمرار؛ حتى خططهِ مع السكرتيرة ماري لن تجدي نفعاً  لإبعاده؛ تفاقمت الزيارات والملاحقات حتى وصل الى شقته وبدأ يضايقهُ مع عشيقته كلارا التي تسكن شقته وتصغره ب "١٣" عاما، مما سبب ضجرا لديه وتوالت الزيارات ايضاً لمكان عمله في الجامعه مصطحباً زوجته؛ زاتوريكي كالشبح  يطارده، والاستاذ  الذي أوقع نفسه في محنة قاسية ليتهرب منه ، الى إن وصل بهِ الحال الى استجوابه وتم استدعاؤهُ الى لجنة المشاريع لكونه يعيش حياة ماجنة بسبب شكوك الجيران والاساتذة بالاضافة الى سيدة زاتوريكي، كل هذه المصاعب التي واجهت الاستاذ بسبب إطرائه حول المقال الذي علق عليه في الحفلة؛ كونديرا هنا في الفصل الاول أراد ان يبين لنا ان بعض الاطراءات والعفوية غير القصدية تصدر من الفرد دون وعي كامل اتجاه بعض الناس؛ هنا يتأول الفهم على مدح واصبح "زاتوريكي الاحمق"  القدر المحتوم والملاحق له كالشبح واصبح يطارده؛  مما أدى الى خلق العبثية في نفس الاستاذ الجامعي وكشف علاقاته التي كان يخوضها بالسر كغراميات مرحة مع ذاته وعشيقاته.

- اما في فصل التفاحة الذهبية للرغبة الخالدة يتناول كونديرا مفهوم الحرية للذات وتناول المفردات    "المغامرة تبدأ - معاينة ناجحة - قليل من النظرية - اللعبة والضرورة - تقرب ناجح - أطراء الصداقة -الخيانة – الندم" ومفردات اخرى التي أستطاع أن  يؤسس كونديرا فضاءات الرحلة التي انطلقوا معاً  الاستاذ مع صديقه "مارتي جوان" ، مارتي رغم وفائه واحترامه   مشاعر زوجته " جورجيت " الا انه خاض مغامرات وغرامات كثيرة متعددة مع النساء ؛ هذا ما أثار  الاستغراب والاندهاش  لدى صديقه الودود والخجول "الاستاذ" الذي يفتقر الى خبرة صديقه "مارتن" في التودد الى النساء ؛ حيث يقول الاستاذ بخصوص مارتن حول تقربه حول النساء " تقرب من اثنين وانخرط معهما في محادثات ضارباً لهما موعداً، لكنني كنت أدرك بأن هذا لم يكن جدياً" وهذا ما يسميه التمرن على التقرب ؛ اما  في الفصل  الاخير في " ليترك الأموات القدامى المكان للأموات الجدد "تناول كونديرا مفهوم استرجاع الذكريات القديمة وكيف يتجدد  اللقاء ليعيد نشوة الرغبة والجنس منذ بداية الشباب بعد ما انفصلوا عن العلاقة ، هذا ما حدث مع الاستاذ في لقاء جمعه بالصدفة مع عشيقته الأولى بعد عقد ونصف ضمن لقاء كانت تبحث عن قبر زوجها الذي إزيل من قِبل البلدية وتحت حجة "ليترك الاموات القدامى المكان للأموات الجدد" ليحل محل قبر زوجها شاهد آخر، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية الغامضة التقوا مع بعض ليسترجعوا الحنين الى الماضِ، كان هو يعاني الوحده والخواء والضجر وهي تمتلك مساحة فارغة وفارهة من الحنين بداخلها، غير ان اللقاء لم يكن بمقدار اللهفة كما كان في السابق، حتى ابنها كان على ملحة تامة في الاستمرار في البحث عن قبر والده، الا ان ذلك لم يجد نفعاً، فكانت الرغبة المتوحشة الصبيانية الجنسية الطفولية تتجدد مع اللقاء وتزيل شاهد قبر زوجها من قلبها وذكرياتها وتنسى كل ما حولها بسبب العشق الاول لها؛ وكأنها تخرجهُ من ذاتها واعماق شعورها لتنفي زوجها وتقول له" ليترك الاموات القدامى المكان للأموات الجدد" وكأن كونديرا أراد ان يوضح  لنا مغزى العلاقات الاولى الذي يخوضها الانسان منذ انفجار الرغبة  الاولى الخالدة في داخله اتجاه الانسانة التي تسكن قلبهُ لأول مره...