للمدينة تعاريف عديدة، قاست تطورها ونموها وعلاقاتها الداخلية والخارجية.  من التعاريف الشائعة:  أنها طراز التجمع الإنساني، الذي سمي لاحقا بـ"المدينة"، أي الكيفية التي يتجمع بها الناس لتنظيم شؤونهم الحياتية وعلاقاتهم الاقتصادية والعلاقات العامة، بمعنى أن المدينة بنت التجمعات الإجتماعية. ومنذ العهد الإغريقي القرن السادس "ق.م"، بدأت المدينة تتشكل وفق سياقات العلاقات الاقتصادية والسياسية واللغوية، فظهرت نواة المدينة  المنظمة التي سميت أول الأمر "الأكورا" أي" منتدى المواطنين". وهذا المنتدى مقام حول معبد "هستيا" أي آلهة البيت. لاحظ العلاقة بين المنتدى وآلهة البيت و"هذه البنية المتصلة بالمنظومة المبنية تقابل بنية المنظومة السياسية" أعني منظومة المساواة "الحقوقية – السياسية - بين المواطنين". لذلك لا يمكن الحديث عن المدينة دون الحديث عن حقوق المواطنين، ففكرة المنتدى، مرتبطة بفكرة المعبد، بل وتؤلف شرط عملها كما يقول "ج. ب. فرنان". فالمدينة هي تنظيم لمكان سياسي متجانس ينفرد مركزه بقيمة مميزة. وهذه القيمة هي تنظيم العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية، لعل الأعياد هي الشكل الثقافي المباشرة التي يؤلف سياقا للتنظم. ولم تبق المدينة على شكلها اليوناني بل تطورت عندما تطورت الحياة المدينية، أي ارتباطها بتطور الحياة اليومية للناس، ونجد اللغة تواكب هذا التطور وتثبته بمصطلحات وتعاريف،  سواء كان ذلك في العصر اليوناني أوالعصر الروماني، وحتى عمارة العصر الوسيط، وإلى اليوم.  لا نجد تعريفًا للمدينة يخلو من قياس التطور المديني لمجموع السكان، فلا يكاد تعريف واحد يعين تطور المدينة ويقف على مجمل خصائصها، دون أن يجد الدالة الحضارية عليه. إن ما يسمى بمدن الأزمنة الحديثة، ذات التطور السريع هو الشكل اللغوي الذي قاس مفهومين مهمين هما: السيرورة والصيرورة - حسب إحدى مواقع الانترنيت- فالسيرورة تعني "العمليات الاجتماعية المتأتية من التحولات الإجتماعية الطبقية الجديدة، وهي طبقة العمال والفلاحين والبرجوازية وطبقة الرأسمالييين بعد مغادرة الطبقات القديمة تدريجيا مثل طبقة النبلاء والاقطاع والكهنوت" أما الصيرورة فـ "تعني التحول من شيء إلى شيء آخر، اي من الطبقات الإجتماعية القديمة إلى الطبقات الإجتماعية الجديدة"

التعريف المهم  للمدينة، يمكن ان نجده عندما بدأ المال يتحكم بسياقاتها التنظيمية والعمرانية والعلائقية، فالمدينة كبنية معمارية في المكان، هي قيمة غير منقولة، قيمة ثابتة، بينما المال هو القيمة المتحكمة بالمدينة، لأنه في جوهره قيمة منقولة، وهذا التعريف يستبطن تعريف المدينة اليونانية، ففي العصور اللاحقة خاصة في ايطاليا  القرن التاسع عشر، سميت المدينة بالحاضرة أي "باضافة فكرة التجهيز المكثف بخدمات الطبقات الاجتماعية المهيمنة إلى المدينة واحتلال الوظيفة المالية مكانا مرموقا بين هذه الخدمات"، "المدينة والمال، ايتين دلماسو". لأن العالم المديني الحديث مدفوع إلى التمركز كعالم ثقافي اقتصادي وعمراني. لأن المدينة يطورها المال، وينقلها من الواقع الطبيعي إلى الواقع الحضاري، ولذلك أصبح للمدينة تعريف مكاني شامل وهو" أن جغرافية المدن تفسر بشكل أصح وأدق، بجغرافية الثروة وجغرافية المضاربات العقارية". أي أن المدينة هي مكان لتصعيد المضاربات الاقتصادية. مكان تتفتح فيه الأسواق والنقد والتنظيم. ومن هنا أصبحت المدينة مكانًا لاستقطاب سلطات اتخاذ القرار. وافضل المدن تنظيمًا هي تلك التي تتيح أكبر قدر من الحرية الحضرية للأحياء السكنية.

عرض مقالات: