ليس بالضرورة أن تكون الأخبار الأكثر تداولاً أو قراءة، وحدها ما يجعل ما نكتب أفضل أو أكثر لفتاً لاهتمام القارئ. لا يصح  بالطبع  تجاهل حقيقة أن أحداثاً مصيرية أو حاسمة تجري من حولنا أو في العالم، لا بد من التوقف عند مغازيها.. أسبابها والتداعيات المتوقعة جراء حدوثها، وطبيعي أن تختلف المقاربات لمثل هذه الأحداث بين كاتب وآخر، وبين متابع وآخر، فليس لدينا جميعاً الرأي نفسه تجاه ما يدور حولنا.

ولعل هذا ما يضفي على المقاربة الصحفية أو الإعلامية لأي حدث حاسم أو مهم، المعنى، حيث بوسعنا الوقوف على أكثر من رأي، وأن نرى زوايا مختلفة لذلك الحدث حكماً من طريقة مقاربة الكتّاب له، خاصة في حال توفر ما هو ضروري من حرية القول التي تتيح هذا التنوع في المقاربات.

من تجربتي في الكتابة الصحفية اليومية لاحظت أنه يمكن لما نعدّه أخباراً مهملة ولم تنل اهتماماً أو انتشاراً واسعين، أن تكون موضوعاً للكتابة والحديث. ما من حدث حتى وإن بدا بسيطاً، لا يمكن أن يكون باعثاً على فكرة أو محرضاً عليها، والعبرة هي في طريقة مقاربة تلك الأحداث، فإذا قدّر لتلك المقاربة أن تكون ناجحة وموفقة، فإنها قمينة بأن تضفي عليها المعنى وتستخلص منها الفكرة.

وطالما أن الحديث يدور عن الفكرة، وعلى طريقة «الشيء بالشيء يذكر»، فإنه يمكن استذكار عبارة «الأفكار ملقاة على قارعة الطريق» المنسوبة إلى الجاحظ، لكن هنا أيضاً نكون إزاء سؤال مهم: هل الجميع يبصرون تلك الأفكار فعلاً، على الرغم من أنها ملقاة على الطريق، أم إن الأمر تلزمه بصيرة؟ والبصيرة  كما نعلم  ليست هي عين البصر، وإنما هي مهارة أو موهبة جعلت ضريرين مثل طه حسين، والأرجنتيني خورخي لويس بورخيس «يبصران» ما أبصرا، ويبدعان ما أبدعا، ومثلهما في ذلك آخرون.

ولنخلص إلى أنه علينا ألا نكتفي بملاحقة الأحداث والأخبار الأكثر انتشاراً وحدها، وإنما التفتيش عن الأخبار المهملة، المهمشة، فقد نفاجأ بأن فيها من عمق المعنى وقوة الدلالة ما يفوق كثيراً ما لنظيرتها المتداولة والمنتشرة.

من نحسبهم أشخاصاً عاديين ليسوا كذلك، بالضرورة، وما نحسبها أفكاراً عادية ليست كذلك بالضرورة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صحيفة «الخليج» – 12 آب 2022

عرض مقالات: