طريق الشعب

يقدم المقهى الثقافي العراقي في لندن في هذا اللقاء الجديد، ضيفا متميزا جدا من أبناء جاليتنا في بريطانيا .. هكذا يقدم الأعلامي الفنان فلاح هاشم شخصية الأمسية التي توقفه مصححة :( قل من آباء).. فيستدرك فلاح فيقول: ( من آبائنا ).. ويواصل تقديمه لضيف الأمسية : " الحديث مع الدكتور صباح جمال الدين ،حديث شيق وممتع ومفيد..هناك تكوين شخصي يبدأ مع الأنسان منذ بداية حياته وينحو به الى حالة معينة من التعاطي مع الأشياء ..فعندما ننشأ في بيئة مثلا ذات طابع متزمت يندر أن يخرج الأنسان منها بسهولة ، لكن دائما هناك إستثناءات، تتحدى هذا التابو الخطير أو ذاك ،فإذا تحدثنا عن جيل اليوم فقد سهلت أمامهم المهمة بسبب الوعي الجديد، نحن جيل ضيوف على الثقافة الرقمية ، أدركنا زمن الأنترنت، نعرف استخدام (بعض الأشياء) في الكومبيوتر والهاتف الجوال..الخ لكن قطعا لسنا جيل الكومبيوتر ..الجيل الحديث اليوم في عمر مبكر ، يستطيع أن يصل الى أبعاد أكثر مما نحن نستخدم هذه الأجهزة . أمام هذا الجيل وهذا ما نبني آمالنا عليه، إنكسرت هذه التابوهات في السياسة والجنس والدين وما إلى ذلك ..لكن الغريب إن رجلا تخطى الثمانين بعدة أعوام يكون قد كسر هذه التابوهات ذهنيا منذ ستين عاما على الأقل، هذه حالة إستثنائية، هناك من شاركه في هذا المنحى ولكنهم قطعا قلة من المجتمع ".

يتطرق فلاح الى الكتاب الأخير للدكتور جمال الدين وعنوانه (الطائفية جاءت من السماء) وحين قدمه المؤلف اليه على إنه ديوان شعري يقول إنه لم يستسغ العنوان للوهلة الأولى مما دعاه للتساؤل الذي يثيره العنوان فما علاقة الطائفية وكيف تجيء من السماء وما علاقة مثل هذا العنوان بالشعر؟ لكن فلاح يقول أن هذا السؤال قد تبدد لأنه حين بدأ بقراءة الكتاب لم يستطع الفكاك منه وأنهاه بفترة وجيزة ووجد فيه الى جانب الشعر ، مقدمة إنطوت على طرح غرائبي ، وشعره يحيلنا الى إستعادة كلاسيكية أغراض الشعر . وعند صباح جمال الدين الشعر له غرض فكري فلسفي يؤكد ما طرحته مقدمة الكتاب التي جاء فيها عودة الى أصول نصوص تضمنتها كتب دينية مقدسة ، حيث بحث الدكتور جمال الدين ، في عمر مبكر ، في الأديان والميثولوجيا القديمة ، وأيضا أستنساخ الأديان تباعا من ما سبقها .

وذكر فلاح في مقدمته للأمسية أن رغم بحث الدكتور الجاد في جذور الأديان لكنه لم يورط نفسه في وجود الخالق .. فهو يؤكد وجوده المطلق لكنه يناقش عقلية الفقهاء التي راحت تبتكر أوصافا من خلقها للإله ..وحول هذا الموضوع يقول شعرا:

عقلي يحار كخافقي ما بين شكي ويقيني     

 طال العذاب بهاجسي سبعين عاما من سنيني

نوه الفنان فلاح لجمهور الأمسية ان ضيف الأمسية الدكتور جمال الدين واحد من أنشط نشطاء الجالية العراقية في لندن والمتبرع الأول في ادارة العمل في نادي كبار السن التابع للمنتدى العراقي وهو دائم الحضور في آماسينا بطرافته وتواضعه وهو طبيب متقاعد ، وهو بهذا رجل علم ، ولم يكتب الشعر الا في مرحلة متأخرة من حياته.

وحين جاء دور صاحب الأمسية فتحدث أنه بدأ كتابة  الشعر متأخرا وكان بدفع احد أصدقائه وقال انه لا يعتبر نفسه شاعرا وأورد سبب ذلك قائلا:" ان العرب تعتبر ان لكل شاعر جني يعني (مسودن) وانا لست كذلك مع الأعتذار للشعراء".

وقال انه لم يقل بيتا واحدا فصيحا قبل بلوغه الستين من العمر لكنه كان في شبابه يحفظ الكثير من الشعر .

وقرأ حول الجني ما قاله شعرا:

يلهم الشاعر في أيامنا شعرا بجني

مرت الستون لا جنّ آتى يسأل عني

قلت يارب أأقضي كل عمري بالتمني

قال ربي أنت جني

قلبك العاشق مني

قل بما شئت من الشعر

قوافيك بوزن

ويح أمي سبقته

قالت: الجنّي إبني

جاء قبل الفجر

لم يبك

فقد جاء يغني ...

ثم تحدث عن وضع العالم حاليا، والتردي الحاصل حتى في البيئة ، وقال انه عنده دراسة للعقل البشري وجنون العالم وأنه سيصدر له كتاب بعنوان " اللغة وعاء الفكر" وتناول في حديثه وجهة النظر العلمية ويناقش فيه من ناحية طبية "بايو كيمستري" – الكيمياء الحيوية – للدماغ ومدى ذكاء الأنسان والمؤثرات المكونة له.

اما عن مؤلفاته فقال ان لديه كتابا (عن سلاسل الآلهة الأغريقية) ذكرفيه كل السلالات وأعطى لكل إله رقما، وكتب عن كل إله قصة قصيرة جدا منها " أن جوبيتر نزل على الأرض فصادف فلاحا ، أجرى حوارا معه ، فلم يتفقا فتعاركا ورفع جوبيتر صوته فقال له الفلاح كفى يا مولاي، لقد علمت إني على حق .." وذكر انه أصدر كتابا بعنوان (صاحب الزمان) ناقش فيه إن كبار العلماء لا يعرفون ان صاحب الزمان لغويا هو الله اما الرجل فهو (صحب الزمان ) .. ومن دواوينه ( ديوان البصرة) كرسه عن المدينة التي يحبها سيطبع في بحر الشهرين القادمين ..وهناك ديوان (الأمثال العراقية ) التي كتب فيه حكاية كل مثل لكن شعرا منها :

زعموا أن أبا عاد الى البيت وبكّر

ورأى أبنته قيدها اللص وشمر

صاح من حرقته مما رأى الله أكبر

هرب اللص وفي قبضته شيء تنثر

صرخ الوالد هذا عدس البيت تنثر

قد سرقنا عدسا يا ناس كفين وأكثر

هتف الجاهل لا يدري لمّ الوالد يزأر

قال من أجل عديسات تراكضتم الى الشر

انما يدري الذي يدري ومن يجهل يعذر

المثل معروف هو:

"اليدري اليدري واللي ما يدري كضبة عدس"

ثم يروي حادثة انه كان يعمل في الكويت وكان حلمه أن يحصل على جواز كأي منفي ولم يك تهمه لأي دولة هذا الجواز، خصوصا لم يبق في جوازه الأصلي مكانا لأختام مزورة جديدة، وكان يعمل معي مضمدا بنغلاديشيا فتوسلت اليه أن يدبر لي جوازا بأي ثمن يطلبه .. وعن هذه الحادثة كتب القصيدة التالية:

حلمت بالليل ومثل الناس

أحلم كل اللي بودّي

حلمت مرة وطن عندي

حلمت عندي جواز

وعندي جنسية

بالمصباح دك الباب

كلت هذا نصيبي ميه بالميه

فتحت الباب

بشروني

وطن عندي

كالولي صرت هندي

وذكر الضيف انه مارس الكتابة الشعرية بالفصحى وبالمحكية ..وكتب أيضا بعض الشعر المسرحي الكورالي ومنها "ملحمة كلكامش" وعلى منوال المسرح الأغريقي القديم الذي تعتمد نصوصه على جوقة الأنشاد ( الكورس ) وقرأ نموذجا منه :

الجوقة : طور السما بيد الرنى

والغول خمبابا تردى

 ضربات كلكامش ما أبقين للفانين بدى

إنليل من غضب رأى من صديق كلكامش 

وجاءت الملحمة الى سرد الحكاية والتي مات فيها الملك وصديقه وعبيده فيقول جمال الدين :" لكني ركزت على إن هذا لايعني موت الشعب فقلت  فيها لسان كورس النساء وكورس الرجال" وقرأ المقطع التالي  :

لكن شعب أوروك في أوطانه مازال  باقي كورس النساء:

عرف الطريق ولن يحيد عن التعاضد والوفاق

رص الصفوف

أذاق خمبابا الردى

يوم التلاقي

فالشعب يخلد بالوفاق

أوروك ملهمة العراق

كورس الرجال:

حيوا العراق

شعبا وأرضا وإنتصاره

كانت أوروك

نواته

من قبل أيام الحضاره

شعب توحده الثقافة

لا تفرقه الإثاره

بالعلم ، بالعقل المسامح عاد للدنيا مناره

وللضيف قصائد في الشأن العراقي اليومي وعلى الأخص ما يجري في أروقة السياسة وعن نواب البرلمان قال:

هلهليلة هلهليلة ..ثروة الشعب بشليله

بايك الخزنة بكبرهه

ولكمة الفقرة قليله

الحماية كلها أهله

ولو طلب كل القبيله

وفي ختام الأمسية قدم الشيخ غيث التميمي رأيه بمجمل نتاج الدكتور صباح جمال الدين فجاء في مداخلته:

شرفني الدكتور صباح بأن أطلع على مخطوطة كتاب "الطائفية جاءت من السماء" .. أصابني نفس الذهول الذي أصاب الأستاذ فلاح فقد كنت مستعدا نفسيا أن أقرأ كتابا وإذا بي أقع في مادة لا أعرف بماذا أسميها فهي قد جمعت مابين النقد الفلسفي الذي يعتمد على الأركيولوجيا بطريقة ذكية جدا وحاذقة جدا وتنم عن وعي وتنم عن إطلاع موسوعي معمق في باللاهوت بشكل ملفت ..عنده دراية بالسومريات بشكل جميل ومطلع على اللاهوت المسيحي واليهودي والكتاب المقدس بعهديه إضافة الى القرآن والموروث الأسلامي ..علاوة على قدرة بيانية رشيقة جدا لأنه يكتب النص والشعر بصورة مبسطة ومفهومة وواضحة ولا تخلو من الدعابة والطرفة ..أقف إحتراما وإجلالا لهذا المنجز الجميل للدكتور صباح جمال الدين وأعتقد أن هذا الكتاب البسيط في حجمه والكبير في هذا الكتاب البسيط في حجمه والكبير في مضمونه ممكن أن يكون ملهما لشرائح واسعة..أنه بصراحة في نفس يذكرنا بأيليا أبو ماضي ومجايليه الكثر ..انه عبارة عن كوكتيل فيه الكثير من الحقب الزمنية التي عاشها الدكتور صباح وأرخها بشكل غير مباشر فشكرا له.

عرض مقالات: