-أدى انهيار منظومة الدول الاشتراكية الى فقدان حليف دولي ساند لكفاح حركة التحرر العالمية وأمسى ضعف التضامن الاممي والتشوش الفكري سمتان ملازمتان لقوى اليسار الاشتراكي فضلاً عن تراجع الأهداف البرنامجية المعتمدة في كفاح فصائل حركة التحرر الوطني العالمية وما أنتجه ذلك من تدني فعاليتها السياسية.

-استنادا الى انهيار الحليف الاممي والتشوش الفكري في كفاح القوى الوطنية الديمقراطية أحاول تعيين مظاهره اعتماداً على ما تتسم به روافد حركة التحرر من صعوبات فكرية – سياسية في كفاحها الوطني - الديمقراطي وأهدافه السياسية عبر المفاصل التالية –

أولا – انهيار نموذج التطور الاشتراكي وأثاره الفكرية.

ثانياً- تفكك البرامج الأيدولوجية للأحزاب الاشتراكية.

ثالثاً - الدول الوطنية وسيادة الطبقات الفرعية.

استنادا الى العدة الفكرية المثارة نتناول مفصلها الأول.

أولا – انهيار النموذج الاشتراكي وأثاره الفكرية.

- انهيار كتلة الدول الاشتراكية أدى الى سيادة العلاقات الرأسمالية الدولية متزامنةً مع دخول الرأسمالية مرحلتها المعولمة المتسمة بالتبعية والتهميش وإلحاق الدول الوطنية بالاحتكارات الدولية.  

 - وتبعاً لذلك تغيرت مضامين العلاقات الدولية بسبب سيادة نهوج العولمة الرأسمالية وما أنتجته من تغيرات على الفكر السياسي الناظم لبناء العلاقات الدولية حيث تحكمت النزعات القومية المناهضة لقوانين التبعية والتهميش في مستويات التشكيلة الرأسمالية المتطورة بينما نهض مفهوم الوطنية الديمقراطية الهادف الى بناء دول وطنية ديمقراطية فاعلة في العلاقات الدولية.  

- تلازمت الموضوعات المشار اليها والبحث عن بدائل فكرية – سياسية لبرامج الأحزاب الاشتراكية التي وجدت نفسها بعد انهيار دول الكتلة الاشتراكية فاقدة للعدة الفكرية الهادفة الى بناء مستقبل دولها السياسي.   

-- تداعيات الانهيار الكبير تشترط البحث عن البدائل الفكرية- السياسية الساندة لكفاح القوى الوطنية والديمقراطية في مواجهة ميول الرأسمالية المعولمة وبناء سياسة دولية ترتكز على التضامن الدولي الهادف الى سعادة الانسان وحريته بغض النظر عن دوله الوطنية وتشكيلاتها الاجتماعية.

- تلخيصاً يمكن القول ان حركة التحرر الوطني العالمية لم تعد قائمة بأشكالها التضامنية السابقة، بل انتقلت من التضامن الاممي الى تغليب كفاحها الوطني المرتكز على مهام جديدة افرزها الانهيار الكبير للنظم الاشتراكية وسيادة الطور الجديد من الرأسمالية المعولمة وتبدل أدوات الكفاح الوطني المناهضة للتبعية والتهميش.

ثانياً - تفكك البرامج الأيدلوجية.

لم يكن انهيار الكتلة الاشتراكية انهياراً لخيار التطور الاجتماعي فحسب، بل انهياراً لبرامج الأحزاب الاشتراكية وتعثراً لسياسة التحالفات الوطنية.

  -- وبهذا المسار أثر انهيار خيار التطور الاشتراكي على الأحزاب الشيوعية بملين يتمثل الأول منهما بانهيار برامج الحد الأدنى والاعلى، والميل الثاني تحرر الأحزاب الاشتراكية من الوصايا الايديولوجية في بناء الدولة الوطنية.

 -- وحدانية التطور الرأسمالي واعتماد مراكزه المعولمة نهوج التبعية والهيمنة على ثروات ومستقبل الدول الوطنية يحتم نهوضاً لدور اليسار الاشتراكي الهادف الى بناء دول وطنية ديمقراطية تسعى الى مكافحة الهيمنة والتخريب.

ثالثاً- الدول الوطنية وسيادة الطبقات الفرعية.

نشأت اغلب الدول (الوطنية) في المرحلة الكولونيالية بمساعدة خارجية بينما اتسمت مرحلة الاستقلال والتحرر ببناء الدول الوطنية المستقلة المعتمدة على نهوج اقتصادية – سياسية تجسدت بهيمنة الدولة على وسائل الإنتاج وسيطرة البرجوازية الصغيرة على سلطة البلاد السياسية مقرونةً بمعاداة اليسار الاشتراكي ومناهضة للشرعية الديمقراطية.

 - العنف السياسي للدولة الوطنية المترابط وسيادتها على الثروات الوطنية لم يمنع الدول الاشتراكية والأحزاب اليسارية من مباركة هذا الشكل من التطور اللارأسمالي وما أنتجه من بناء اممية ساندة لهذا التطور المشوه في بناء الدولة الوطنية. 

– الدول الرأسمالية باركت جهود الدول الوطنية المناهضة لكفاح الأحزاب الاشتراكية بغض النظر عن إجراءات الدولة الاقتصادية.

- ان انهيار النظم الاشتراكية وتبدل القوى الطبقية الحاكمة في الدولة الوطنية يشترط اعادة بناء التحالفات الوطنية المتمثلة بالبناء الديمقراطي لسلطة الدولية الضامنة لمصالح الطبقات الاجتماعية والقادرة على استلام السلطة السياسية عبر الشرعية الديمقراطية الانتخابية.

- على أساس الانتقال التاريخي من ازدواجية التطور الاجتماعي الى وحدانية التطور الرأسمالي تواجه اليسار الديمقراطي مهام كبرى تتمثل في إعادة بناء حركة التحرر الوطني العربية انطلاقاً من الموضوعات الفكرية التالية –

اولاً- بناء دول وطنية ديمقراطية.

1- المساهمة في انشاء نظم سياسية - ديمقراطية مستقلة مناهضة لقوانين التبعية والتهميش.

2 – اعتماد الشرعية الديمقراطية والمنافسة الانتخابية مقياسا لشرعية الحكم الوطنية.

3- بناء توازنات اجتماعية بين طبقات وشرائح التشكيلة الاجتماعية الوطنية.

4 – مناهضة اصطفاف الطبقات الفرعية مع الخارج الرأسمالي المعولم المتسم بالتبعية والتخريب.

ثانيا – بناء حركة تحرر عالمية جديدة.

إقامة نظم سياسية ديمقراطية في الدول الوطنية تترابط وبناء حركة تحرر ديمقراطية عالمية تستند الى-

 أ– اقامة علاقات وطنية - دولية تعتمد توازن المصالح الوطنية- الدولية.

ب- بناء علاقات دولية وطنية مع الجوار الإقليمي تشترط مناهضة التبعية والتهميش وعدم التدخل بالشؤون الوطنية.

ج- احترام السيادة الوطنية ومناهضة التدخلات الدولية في النزاعات السياسية الداخلية.

د– حرية اختيار نموذج التطور الاقتصادي – الاجتماعي ومكافحة العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة على الدول الوطنية.

 ان إعادة بناء حركة التحرر الوطني - العالمية مرتكزة على احترام العلاقات الدولية – الوطنية تشترط تبدل برامج القوى اليسارية المنبثقة من الرغبات الأيديولوجية المتجاوبة وفترة المعسكرين واعتماد برامج وطنية مستمدة من الوقائع التاريخية الملموسة حامية للسيادة الوطنية وعاملة على مكافحة التبعية والتهميش.

ان الملاحظات المشار اليها من شأنها اضافة رؤى سياسية – فكرية الى كفاح اليسار الاشتراكي تتجاوب والطور المعاصر من الرأسمالية المعولمة.

عرض مقالات: