عند دراسة مسببات اي مشكلة من المشكلات الرئيسة التي يعانيها شعبنا اليوم، سواء كانت صحية أم خدمية أم اجتماعية أم ادارية أم امنية، نجد ان التكدس السكاني الكبير عامل رئيس فيها، يقابله اخفاق كبير في الدوائر المعنية بمواكبة تبعات ذلك التكدس، الذي يتواصل نتيجة سوء التخطيط والحلول الترقيعية والفساد الاداري والمالي وغير ذلك.
وقد اتتبين لي من خلال متابعاتي أن القرى والارياف كانت تحتضن ما يقارب 70 في المائة من نفوس العراق، وأن هذه النسبة بدأت بالتراجع تدريجيا خلال خمسة عقود من الزمن، نتيجة الإهمال المريع للريف، الذي تسبب في نزوح الملايين من سكان مناطقه نحو مراكز المحافظات ومدنها بشكل عام، والى بغداد على وجه الخصوص – وفق ما ذكرته دراسة رأت ان الغرض الأساسي من النزوح هو البحث عن فرص عمل، حتى “انعكست الآية” لتغص المدن اليوم وتختنق بأكثر من 70 في المائة من نفوس العراق.
ومما يزيد من حجم المشكلة هذا الإفراط في الانجاب. وقد اكدت مديرية الاحوال المدنية العامة أن نفوس العراق تزداد سنويا ما يقارب المليون نسمة، وهذا رقم مخيف. فالمدن العراقية الآن محاطة بألوف العشوائيات المكتظة بالسكان، والتي صارت تتمدد أفقيا.
وبسبب هذا الاكتظاظ السكاني، اختفى الكثير من معالم المنازل، كالحدائق ومرائب السيارات والأسطح، لتبدو أشبه بالوحدات السكنية. كذلك تم تحويل العديد من الاراضي الزراعية القريبة من المدن أو المتداخلة معها، إلى أحياء سكنية، ما تسبب في مشكلات خدمية واجتماعية وأمنية في غاية التعقيد.
أن هذه المشكلات تتطلب اليوم أن ينصب الاهتمام على القرى والارياف، التي تعد اهم مصدر للإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات الشعبية. ومن الواجب أن ترفد هذه المناطق بالخدمات ومستلزمات الحياة الضرورية، كي يتشجع أهلها على العودة إليها مجددا وفي المقابل يخف الضغط السكاني على المدن، ويسهل تزويدها بالخدمات كاملة.
ومعلوم أن شركات عالمية رصينة كانت قد قدمت عروضا لتشييد مدن او قرى زراعية وصناعية متكاملة، تستوعب الملايين من السكان، بأسعار مغرية.