أصدر الشاعر عبد الزهرة عبد الرضا مجموعته الشعرية الثانية "ثقوب في قميص مستعار" والتي جاءت لتؤكد استمرار الشاعر في لعبته الماهرة التي بدأها في مجموعته الأولى وهي الاشتغال على المفارقة حيث وظف فكره في الاشتغال على هذه اللعبة الذكية واستطاع بمهارة ان يوازن بين الجد والهزل وبين التصور والمألوف لتقديم خطاب شعري يتسم بمهارة في الصنعة والقدرة على الاختزال ، وهذا ما تطالعنا به قصيدة "باراسيكولوجي":
رغم أن ثلاثة أيام انقضت
ولم توقد في داري النار
شم جيراني رائحة قدوري
أربع مرات !
وتتشكل آليات المفارقة من خلال استخدام الشاعر أسماء الاشارة والاسماء الموصولة اللتان يستهل بهما مقاطع قصائده لإطلاق روح الطرافة، نلمس ذلك في قصيدة "اسماء الاشارة" التي يتناول فيها ظاهرتي النفاق والرياء بشيء من السخرية:
هذان رجلان محترمان
لا يسرقان سجادة من مسجد
الا بعد أن يؤديا الصلاة
وشيئاً من النوافل.
.....
هاتان اليدان
منافقتان بلا ذرة من الذوق
إنهما تصفقان أكثر مما يلزم
ــ حتى لإيقاظ ميت ــ
....
لا أعرف رجلاً
أكثر حرصاً
على الصلوات الخمس
من جاري الفاسق
وفي الحب ايضا وباسم إشارة آخر يقدم الشاعر صورة استعارية جميلة تكشف قدرته على التنوع وسعة الخيال حيث يقول:
التي بهرتني وانصرفت
أودعت بحيرة قلبي
سمكة ذكرى ذهبية
ترفسني بزعانفها
طيلة الوقت.
وكذلك في قصيدة "اسماء موصولة" التي يستبدل فيها الشاعر اسماء الاشارة بأسماء موصولة مع بقاء اسلوبية النص من حيث البناء والدلالة والموضوع فيقول في البعض من مقاطعها:
التي
شتمتني حين تحرشت بها
فتحتُ لها جيبي
فدخلت اليه
مسرورة
ولا يخفي الشاعر قلقه الدائم من النهايات التي تنتظره، فهو كيفما يكون هناك في انتظاره عيون وأنياب واقدام وملاحقة وضياع، تجسد هذا العذاب الانساني قصيدة "سراب":

عندما أتحول الى حبة رز
تلتهمني نملة
عندما اتحول الى سمكة
تأكلني سمكة أكبر مني
عندما أتحول الى طائر
يقتنصني صياد
وليس من الصعب معرفة اسباب ذلك فهو يعيش في مجتمع قائم على التناقضات وضياع العدالة ، مجتمع يحاسب البريء ويهادن القتلة تكشف هذه المعاناة قصيدة "مستحيل":
لأني لم اقترف شيئاً
فأنا المرشح الأكثر حظاً
للأصفاد
لأني لم أقترف شيئاً
فأنا الحلقة الأضعف
في السلسلة.
وللشاعر احلامه البريئة، المحبة للسلام والرافضة للعنف تكشف عنها قصيدة "احلام" :
أحلم
أن تنفعل الطلقة
حين تسدد لبريء
فترتد
وتنقضّ على من أطلقها
أحلم
أن لا تبث إذاعات العالم لمدة يوم
ــ من اشراقة شمس الى اشراقتها ثانية ــ
سوى أغاني فيروز
البعض من مفارقات هذه المجموعة الشعرية يقوم على احداث الدهشة لدى القارئ التي تعد احدى وظائف المفارقة لكنها دهشة يختلط فيها الفرح بالألم تتجلى على نحو واضح في قصيدة "خسارة":
لشدة ماكنت مهذبا
طيلة الوقت
كل اللائي صادفنني
وثقن بي لشدة تهذيبي
وأحببنني كأخ
وكذلك المأساة المضحكة المبكية التي تطالعنا في قصيدة "ضوضاء هادئة":
الزوج المخدوع
خدع الجميع
كان قبلهم
يعلم
الشاعر عبد الزهرة عبد الرضا في مجموعتيه الشعريتين خرج عن الشكل النمطي لكتابة القصيدة واستطاع ان يقدم لنا خطابا شعريا مغايراً حاول فيه ان لا يكرر ما هو سائد ومألوف في الساحة الشعرية، فتجربته اتسمت بصياغة شعرية خالية من التعقيد والغموض اعتمدت ايضا على اللغة اليومية التي توحي للقارئ بالبساطة لكنها لغة رشيقة أقرب الى قلوب السامعين، لا تميل الى التكرار والحشو ولذلك اعطت الثراء لهذه التجربة الطيبة.

عرض مقالات: