يقسم كتاب "ويلات الزماما في سرديات القاص علي السباعي" للأستاذ وجدان عبد العزيز الى اربعة فصول مع ملحق وخاتمة، واحتوت هذه الفصول على عنوان رئيس ومجموعة عناوين فرعية، وكلها تصب في السدى الثقافي والمعرفي الذي اجترحه الناقد والذي يرى انه يبني النصوص، وهذه العناوين الفرعية ليست مباحث مستقلة بقدر ما هي فقرات تصب في المهيمنة التي يبنيها العنوان الرئيس، وتفاوتت اطوال هذه الفصول، حيث بلغ الفصل الاول "المهيمنة التاريخية في سرديات السباعي"، مع ثلاثة عناوين فرعية ومقدمة قصيرة، وقد تناول فيه الكاتب المجموعة القصصية "بنات الخائبات"، بينما الفصل الثاني "لسباعي.. التخيل وصراع الواقع" فقد بلغت عدد صفحاته 28 صفحة وبسبعة عناوين فرعية ومقدمة، وقد تناول فيه نصوص المجموعة القصصية "زليخات يوسف"، اما الفصل الثالث "السباعي لا يموت في قصصه" وهو اطول الفصول، اذ يبلغ عدد صفحاته 48 صفحة، وقد احتوى على خمسة عناوين فرعية مع مقدمة، وقد تناول فيها نصوص المجموعة القصصية "ايقاعات الزمن الراقص"، اما الفصل الاخير وهو الرابع "تنوع سرديات السباعي" فقد تكون من 31 صفحة وبخمسة عناوين فرعية مع مقدمة، وقد تناول فيه المجموعة القصصية "مدونات أرملة جندي مجهول"، بالإضافة الى مقدمة تمهيدية بعنوان "اشكالية العلاقة بين الكاتب والناقد"، وهناك ايضا كما اسلفنا ملحق بعنوان "التجليات الايروتيكية في سرديات السباعي"، وايضا خاتمة بعنوان "القصة والبحث الجمالي"، وما اردت الاشارة اليه في هذا التفصيل لمتن الكتاب هو ان الكاتب لم يراعي الترتيب التأريخي لصدور هذه المجاميع، بل انه انحاز الى الرؤية التي سنشير اليها لاحقا وهي الرؤية القرائية؛ والتي تتعامل مع مجاميع السباعي باعتبارها بنى ثقافية، لذلك فهذا الانحياز صبه الكاتب على هذه الرؤية الثقافية بدل متابعة الاثر التاريخي والشكلي لهذه النصوص، حتى في الفصل الاول الذي بنى فيه رؤيته للنصوص باعتبار التاريخ واجهة ثقافية اكثر من كونه بنية شكلانية.
أثار الاستاذ وجدان عبد العزيز في مقدمته التمهيدية التي ركزت على العلاقة بين الناقد والكاتب ودوريهما في العملية الابداعية، عدة مواضيع اشكالية منها اشكالية الدور الذي يأخذه الناقد على عاتقه ورؤية الكاتب المبدع له، والتي يشوبها الكثير من الالتباس، وغياب الوعي من كلا الطرفين في بعض الاحيان لقيمة هذا الدور الذي يضطلعان به، فهل الناقد هو مقوم للعمل الادبي ومصحح لمساره، ام انه مجرد قارئ يمتلك نوعا من الخصوصية التي تؤهله الا ان يكون مؤولا وصانعا اخر لهذا النص، وهل الكاتب هو المبدع الباحث عن الكمال والمستمر بهذا البحث، ام انه خالق النص وصانع نسخته النهائية، حيث يقول (ستبقى العلاقة الجدلية بين المبدع اي الكاتب وبين القارئ اي الناقد، قائمة وأزلية لان النقد لا يحصل او يولد الا مصاحبا للقضية الابداعية.. والكاتب يكون في محل لوم بالدرجة الاولى، كونه مالك النص حتى يطرحه للنشر، فاذا اطلع عليه القراء اصبح مشاعاً وطرحت حوله الآراء سواء كانت منصفة او غير منصفة مع النص او ضده وهنا تتوضح العلاقة بينهما، ونلاحظ من هذا الاقتباس ان الكاتب يميل الى توصيف الناقد القارئ، وربما هذا هو الدور الذي سيلعبه الكاتب/ الناقد في متن الكتاب والذي ستتشكل ملامحه من خلال الالية او الرؤية التي يتعامل بها مع نصوص السباعي.
ينطلق الكاتب وجدان عبد العزيز في معالجته النصوص القصصية من الرؤية التي اشرنا لها سابقا، وهي التي اسميناها بـ "الرؤية القرائية"، والتي تنظر الى العملية النقدية باعتبارها قراءة جمالية، ليس بمعنى انها تخضع النصوص الى ما يعرف بمنهج جماليات التلقي، وانما تبنى من خلال النظر الى فعل القراءة باعتباره شحن للمجسات الثقافية والمعرفية وان القراءة هي كشف للسياقات التي تبني النصوص، عندما تتشابك تلك البنى المعرفية والثقافية بوعي القارئ بصورة عامة والناقد/ القارئ بصورة خاصة، حيث تختلف تلك المجسات من شخص الى آخر، تبعا لاختلاف درجة الوعي والادراك وايضا الحصيلة الثقافية والمعرفية، لذلك فالكاتب هنا يبحث في نصوص السباعي عن الهوية الثقافية لتلك النصوص وايضا استجلاء مواقفها "من خلال- كما يقول الكاتب- تلمس رؤيته الرافضة التي تبلورت عبر الواقع والمتخيل الذي اطر كتاباته"، لكننا سنرى ان نحن تتبعنا فقرات الكتاب وفصوله، ان واقع النصوص ومتخيلها منصهر في تلك التداعيات الثقافية والمعرفية التي بنيت عليها النصوص او التي تناصت معها.
يطرح الكتاب ايضا في مقدمته التمهيدية اشكالية اخرى وهي العلاقة بين ذاتية وموضوعية الناقد، وتأثيرهما على ما يكتبه، او على بناء تصوراته تجاه النصوص، وايضا علاقتها بالمنهجية التي يبنيها لمتن تحليلاته أو اراءه النقدية، التي يطرحها ويتعامل بها مع النصوص، لذلك فهو يتساءل ضمنا عن أمكانية ان يتحصل الناقد العراقي او العربي بعامة على قدر من الموضوعية، والتي ربما تتيحها المناهج النقدية الحديثة، التي بنيت على اسس علمية وموضوعية، أم ان ذاتية الناقد تهيمن على رؤيته وتعامله مع النصوص، والتي سببتها حالات يقع تحت سطوتها ذلك الناقد باختياره او رغما عنه، حيث يقول "بعض النقاد يتأثرون عند تناول نص ما، اما بعاطفة او بعلاقة شخصية مع الكاتب فتصدر احكامه انطباعية ذاتية لا تخضع لمنطق الحياة والنقد معا، ويحاولون ابراز جماليات مزعومة ليس لها وجود في العمل الادبي اصلا". ويعدد الكاتب عددا من تلك الحالات التي قد تؤثر على موضوعية الناقد ومنها التشجيع للتجارب الجديدة، او الاحراج او العلاقات الاجتماعية او غيرها.

عرض مقالات: