توطئة/سُحقاً يا نفط----يا لعنة التأريخ /يا نظرة حسد بعيون مكحولة/من يوم الطلعت بكاعنه لليوم --- جنابك مشتعل والناس مشعوله( الشاعر عطا السعيدي 2006 )

حينما يسير اللصوص في الطرقات آمنين ، فهناك سببان :

فأما النظام لص كبير

أو الشعب غبي أكبر / لي كوان يو

الموضوع/ تمرُ تسعة عقود اليوم لأستخراج النفط في العراق والذي كان القدر الموعود في ذاكرة التأريخ العراقي عام  1938سنة أكتشاف النفط في أراضي كركوك وبتوالي السنين الأكتشافات تتوالى في نينوى وجنوب العراق وبأحتياطي قدره التخميني حوالي 360 مليار برميل وللواقع المريرحيث يبلغ النفط  اليوم شيخوخته سعراً وربما أفول ترجي منافع أقتصادية وثقافية منهُ ، بينما يظل النفط معزولاً في آبارهِ عن مجتمعات قطعت تجارب غنية وواضحة في بنيتها التحتية والفوقية وبتحدي ماراثوني فائق السرعة متحديةً الزمن كالتجربة النرويجية التي أسست صناديق سيادية للأستثمارفي تحقيق عوائد مالية ضخمة ، أو النظر ألى تجربة سنغافورا على الرغم من أنّها لا تمتلك النفط في أستثمارالموارد الطبيعية والأعتماد عليها بالتصدير والنظر ألى أسبانيا التي طورت مزارع الخيار بالأستثمار وتحصل على 2 ملياردولار سنويا من تصدير الخيار فقط ، ألا يعادل بئراً نفطياً منتجاً ؟ ، وبثت تلك البلدان الروح في الأقتصاد الصناعي والزراعي والثقافي والذي يعتبر العامل الديناميكي لتنمية وتطوير كافة القطاعات ، بينما في عراقنا الحبيب تحوّل النفط إلى فجواتٍ غير مجسّرةٍ في ذاكرة الأجيال الحاضرة والمستقبلية بل لعنة وكوابيس أحلام ، وللحسرة يكاد النفط العراقي أن يعلن تقاعدهُ وسط تأرجح أسعاره وأكتشاف بدائل للطاقة كل يوم ، بيد أن العراق يراوح على الأقتصاد الريعي منذ تأسيس الدولة العراقية ، ونضوب البترول يلوحُ في الأفق العراقي سنة 2040 ،وخبر عاجل اليوم " أن عام 2030 ستوقف السويد بيع السيارات التي تعتمد البنزين والديزل وهي أشارة للجمهورية السادسة العراقية أن تتدارك أمورها بعلاج أحادية الأقتصاد ، وتبرز على سطح الواقع المرير والمحزن الحقيقة التالية ( ظهور قطاع عام كبير متضخّم وقطاع صغير وطفيلي ، وتتحوّل الحكومة من حكومة يعتمد عليها المجتمع إلى حكومة تعتمد على المجتمع ) ، وأصبحت الكتابة عن النفط اليوم مثل العملة المزيفة لكون الورقة الرابحة بـآيدي حيتان الكارتلات الغربية والأمريكية والتي أحتكرت الخبرة والسوق معاً .

النفط والصراع السياسي في العراق

-أن تقسيم موروثات غنائم الدولة العثمانية المريضة والخاسرة للحرب العالمية الأولى بما في ذلك حقوق أمتياز ( شركة النفط التركية) كان النفط محوراً أساسياً في رسم خارطة الشرق الأوسط ،  وتوزيع سلطة الأنتداب بين فرنسا وبريطانيا بنموذج متفق عليه بين الدولتين ، بحيث أصبحت ولاية الموصل تحت سيطرة الأنتداب البريطاني ، وتسلمت فرنسا السلطة على سوريا في أواخر عام 1918 وذلك بعد تأكد بريطاني تواجد النفط في مناطق متعددة من ولاية الموصل من ضمنها كركوك ، وأشتغلت الشيطنة البريطانية في تأجيج فوبيا المطالبة التركية بولاية الموصل محورأ في تخويف الحكومة التأسيسية في العراق 1921 ، وكان ذلك عقب تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على العراق .

وكانت من تداعيات لعنة النفط في العراق : أن توظف بريطانيا شرطاً مجحفاً وظالماً ومحرجاً في نفس الوقت أن توافق على منح حقوق الأمتياز لمجموعة ( شركات النفط الغربية البريطانية ، الفرنسية ، الهولندية ، والأمريكية ) مقابل دعمها للعراق بأحقيتهِ في الأحتفاظ بولاية الموصل ، وتمّ التوقيع على هذا الأتفاق الأولي بأتفاقية ( 1925 ) والذي أطلق عليه لاحقاً ( اتفاقية شركة نفط العراق)  ووزعت الحصص على أساس 75 /23 %لكل من تلك الشركات الأربعة والباقي 5% تعطى للسيد ( كولبنكيان) ، أضافة إلى ذلك الشرط التعسفي والأبتزازي على العراق تنازله عن حصته البالغة 20% الممنوحة لهُ بموجب معاهدة ( سان ريمو ) زائداً التأطير السياسي لنتائج الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة العربية بما فيها الجزيرة العربية وأصبحت الكمائن النفطية ومصادر الطاقة وتقسيمها إلى دويلات بحدود مصطنعة .

وتحطُ بنا بوصلة ذاكرة العراق النفطية بمؤشرها المضطرب لمحطة خواطر تراجيدية في بلاد ما بين القهرين إلى ثورة 14 تموز 1958 التحررية التي أعلنت سنة 1961 حركة نضالية ثورية في السيطرة الوطنية على الثروات الوطنية المستلبة من قبل الغرب وشركاتها الرأسمالية الجشعة في فرض القانون الوطني رقم 80 وهي أولى ثمار ثورة 14 تموز 1958 الذي سيطر فيه العراق على ما يقارب 5-99% من أراضيه رسمياً ، ولكن لم تجد الأوضاع السياسية أستقراراً وتوجه الحكومة نحو الأقتصاد الريعي مما أدت إلى بروز تغيرات ديموغرافية في المجتمع العراقي كالهجرة من الريف إلى المدن  والنزاعات المسلحة وأهمال القطاع الزراعي ونفوذ الكولونيالية البريطانية على الخط بأثارة النعرات الثأرية للأقطاع وملاك الأرض أنتقاماً من حكومة الشهيد الراحل عبدالكريم قاسم ، فحدث ما حدث في :

أنقلاب عسكري بقيادة حزب البعث الذي زج الشعب العراقي بأتون حروبٍ عبثية مع الأكراد والحرب العراقية الأيرانية وغزو أحتلال الكويت والذي دفع الشعب العراقي فاتورة ثقيلة لتلك الحقبة الظلامية ، وكان عامل البحث عن مصادر الطاقة من قبل الأمبريالية الأمريكية أحتلت العراق في 2003 وأسقطت النظام ، والسيطرة على آبار النفط العراقي وسحبه من سيطرة القطاع العام ولعودة الشركات الأجنبية وهذه المرّة بشراسة وأندفاعٍ أقوى ، وتكفي شهادة قول المخطط للغزو الأمريكي ( بول ووليفيتز ) :"أن العراق يطفو على بحيرة من النفط " وكان للص بريمردوراً محورياً في تبديد ونهب ثروات النفط والذي حكم بين أيار 2003 وحزيران 2004 ألف كتاباً موسماً ب(عام قضيتهُ في العراق والنضال نحو غدٍ أفضل ) بذر خلاله الطائفية المقيتة والمحاصصة الكارثية ونشر ثقافة الفوضى وساعد على أيجاد رجال حكم لا رجال دولة ، وعدم أحترام مواثيق الأمم المتحدة والمحافظة على كيانات الدولة المحتلة وثرواتها ، وكان من أفدح قراراته التعسفية القرار 39 الذي يسمح لخصخصة 200 شركة حكومية بتمويل أجنبي ومعفاة من الضرائب والقيود 100% وجعل التراخيص النفطية تخضع لمدة 40 سنة قادمة ، والقرار 17 منح المقاولين الأجانب أدارة شركات الأمن الخاصة التي أوغلت في الوجع العراقي وأستمرت سرقات النفط وبأساليب مختلفة من الشركات الحالية وعواصم الدول الغربية والبعض من الموجودين داخل العملية السياسية وجمهورياتها الستة المتلاحقة وتلك السرقات أصبحت أقرب إلى الخيال وتهريبه والتي ساهمت فيها أحزاب وميليشيات ورؤساء عشائر هم متهمون بضياع ثروات النفط الهائلة منذ 15 عاماً حيث صفروا الخزينة وألحاق العجز بالميزانية العراقية والأتجاه نحو الأستدانة لتحميل الأجيال المستقبلية الرثاثة والفقر والمرض والبطالة والأمية ، فهي الأستبداد والقهر الأجتماعي وكلها من  تداعيات أكرامية الطبيعة للنفط في العراق وحتى على عموم العالم العربي

أخيرا وليس آخراً/لم يخفى على أحد من أن هدف بوش في أحتلال العراق كان من أجل نقطتين أستراتيجيتين مهمتين  : الأولى هو حماية أمن أسرائيل ، والثاني: هو السيطرة على منابع النفط حتى لا تقع في أيدي المتطرفين الأسلاميين ، وهنا يمكن أن نقول : بأن النفط جاء نقمة ولعنة على العراق سياسياً وأجتماعياً وأقتصادياً وهو الذي فرض تأجيج الصراعات القائمة المرتكزة على أقذر مستلبات نخرت المجتمع العراقي التي هي الأثنية والطائفية والمناطقية التي أوصلتهُ لحافات الحرب الأهلية في 2006 و2014 ، والتي كانت من تداعياتها الكارثية حرب الأستزاف البشري والمادي للحرب الشرسة مع تنظيم داعش ، والذي يؤلمني كمواطن عراقي هو الآتي : قانون النفط والغاز الذي سوف يشرعن بقانون قادم لا محالة حيث يسمح لشركات النفط الأمريكية والبريطانية الحق في السيطرة على نسبٍ كبيرة من عائدات النفط العراقي فيما يبقى الفتات الضئيلة من هذا العائد للعراق المنهوب ، لأن شعار حكومات ما بعد الأحتلال ( الولاء قبل الأداء ) حين نعكس هذه المعادلة الأداء أولا ثم يكون الولاء للوطن والأمة .

الهوامش / عام قضيته في العراق- بول بريمر-المترجم عمر الأيوبي - بيروت/وحدة الدراسات الأقتصادية –شذى خليل / تقاريرأمريكية – الغارديان البريطانية – ترجمة الكاتب/ صراع المصالح النفطية- عصام سخينسي- عمان

كاتب وباحث عراقي /ستوكهولم

في 26 /1/2019

عرض مقالات: