قبل عقود قليلة، كان من "يمتهن الخط" – يمتهنه ولا يعد خطّاطا – نجده ملَّما باللغة، ومن المحال أن يخطئ في خط لافتة والا غدا اضحوكة. وأذكر أن المطربة الراحلة عفيفة اسكندر روت لي شخصيا في مكتب مدير عام السينما والمسرح في العام 2004 أنهم، وتقصد "مطربي أيام زمان" اذا ما غنى أحدهم قصيدة يذهب الى فطاحلة اللغة العربية ليتأكد من علامات الرفع والنصب والجر ودقة تلفظ الكلمة.
وروى لي ابن أحد كبار الخطاطين العراقيين أن صاحب سيارة أجرة قاده حظه العاثر الى مكتب أبيه وطلب منه أن يخط على مؤخرة سيارته جملة "آخ ماكو وفه" فوبخه الخطاط الكبير وطرده.
ترى ما الذي يحصل الآن من "طرائف مبكية ومحزنة" في "سوق الخطاطين"؟
رأيت "أحدهم" يخط على واجهة مكتبه عجزا من بيت شعري للمتنبي وَخَيرُ "جَليساً" في الزّمانِ "كتابِ"، بكسر الباء! وقرأت على واجهة أحد المطاعم الشهيرة جملة: أكثر من "عشرون"....!
وأقسم لكم أن مسؤولاً همّش على طلب لي هكذا: "ليس مانع لديناه.. نسخه منهو"!
والآن.. ماذا نقول لو سأل "أحدهم" أعرابيًا عن حال أهله، فقال له: كيف أهلِك – بكسر اللام؟
أظن أن الأعرابي سيجيبه قائلاً: مصلوبًا إن شاء الله" - الصحيح: أهلك بضم اللام، وهم العشيرة، أما بالكسر.. فمن الهلكة.
ترى ماذا نقول في ما رواه الأصمعي.. أكرر "الأصمعي" حين أراد إحراج إعرابي، فلم يجد قافية أصعب من الواو الساكنة المفتوح ما قبلها مثل "لوْ"، فقال:
قوم عهدناهم.. سقاهم الله من النوْ.. أكمل! فقال الأعرابي:
النوْ تلألأ في دجى ليلة.. حالكة مظلمة لوْ
فقال الأصمعي: لو ماذا؟ قال الأعرابي
لو سار فيها فارس لانثنى.. على به الأرض منطوْ
قال الأصمعي: منطوْ ماذا؟ قال الأعرابي:
منطو الكشح هضيم الحشا.. كالباز ينقض من الجوْ
قال الأصمعي: الجوْ ماذا؟ قال الأعرابي:
جو الشمس والريح تعلو به.. فاشتم ريح الأرض فاعلوْ
قال الأصمعي: اعلوْ ماذا؟ قال الأعرابي:
فاعلو لما عيل من صبره.. فصار نحو القوم ينعوْ
قال الأصمعي: ينعوْ ماذا؟ قال الأعرابي:
ينعو رجالاً للقنا شرعت.. كفيت بما لاقوا وما يلقوْا
قال الأصمعي: يلقوا ماذا؟ قال الأعرابي:
إن كنت لا تفهم ما قلته.. فأنت عندي رجل بوْ
قال الأصمعي: بوْ ماذا؟ قال الأعرابي
البو سلخ قد حشي جلده.. بأظلف قرنين تقم أوْ
قال الأصمعي: أوْ ماذا؟ قال الأعرابي
أو أضرب الرأس بصيوانه.. تقول في ضربتها قوْ
قال الأصمعي: فخشيت أن أقول قوْ ماذا؟ فيأخذ عصا ويضربني!
أوه.... كم كنت صادقاً يا أحمد شوقي في هذا البيت الشعري:
إن الذي ملأ اللغات محاسناً.. جعل الجمال وسره في الضاد.
تصبحون على "ظاد"!