وأنا أشاهد قبل أيام فيلماً لعادل إمام بعنوان (البحث عن فضيحة) وكيف كان بطل الفيلم يختلق الفضائح والأزمات كي يصل إلى مبتغاه في الحصول على امرأة يقترن بها مهما كلّفت الأمور ، أخذتني الهواجس والأفكار صوب حالنا وما نحن عليه الآن من أمورنا الحياتية والسياسية التي تعصف بالبلاد والعباد. حيث صار ديدننا الأزمات، وأكثرها أزمة الماء الصالح في البصرة ، وكأن هذه المدينة تعيش في كوكب آخر بعيدا عن منابع المياه ومصادرها. حيث تفاقمت الأزمة ووصلت حدّ التظاهر والتصادم وإراقة الدماء، فصار الدم مقابل قطرة ماء عذب ، وصرنا نبحث عن حلول هنا وهناك ، وكأن الحل بات مستحيلاً رغم أن مسألة الماء في كل مدن العالم سهلة جداً ولا تحتاج الى أزمات قاتلة كهذه!
هناك مدن في عمق الصحراء، وأخرى في أعالي الجبال يصلها الماء العذب ولم تفكر في انقطاعه أبدا ، بل تفكر في مستقبل أبنائها وفي ازدهارها بناءً وعمراناً وتقدماً في كل مجالات الحياة اجتماعيا وتكنولوجيا !
وبجانب انشغالنا بأزمة الماء وكيفية الوصول إلى حل لها، تظهر أزمات أخرى وأخرى وكأننا مرجل أزمات !
وما أن يقترب موعد انتخابات البرلمان حتى تظهر أزمات ومعها حلول لا حصر لها ، رغم أنها كلام في كلام !
وما أن تنتهي الانتخابات حتى تظهر الى السطح أزمة الكتلة الأكبر بما لها وما عليها، وكأن أمور البلاد لن تستقيم إلاّ حين تكون هناك كتلة كبرى، حيث أننا لا نقدر أن نحلّ أمورنا بالتفاهم والجلوس حول طاولة النقاش بمحبة من أجل الوطن، وإخراج الناس من هذه الأزمات العاصفة؟!
وتنتهي الكتلة الأكبر ليبدأ مسلسل انتخاب الرئاسات الثلاث وكأننا لم نستطع أن نتفاهم على شخصية قيادية يخدم الناس بما يمليه عليه ضميره الوطني والإحساس الحقيقي بأنه ابن هذا البلد ومن هذه الناس التي أنهكتها الأزمات المتلاحقة !
ونبقى في دوامة كبيرة ندور وكأننا في حلقة مفرغة من كل شيء سوى مصالحنا الذاتية والفئوية، متناسين أن الناس تنتظر حلولاً لأزماتها التي تبدأ بقطرة ماء عذب ولا تنتهي بالخدمات والسكن والتعليم والمعيشة!
ألا يجدر بنا أن نكون عراقيين حقيقيين في انتمائنا للوطن والناس، ولا نفكر في جيوبنا وذواتنا ؟!
ألا يجدر بنا أن نشعر بكبرياء الإنسان وعزته وشهامته، ونشمّر عن سواعدنا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بدلا من افتعال الأزمات وترك الناس بين حابل ونابل؟
ألا يجدر بنا أن نعي مسؤوليتنا ذات يوم ونراجع أنفسنا لنعرف أن هناك نهاية لكل شيء، وحينها لا يمكن أن نندم على ما فاتنا ونحن نقدّم حلاً لما اختلقناه من أزمات؟!
ألا يجدر بنا أن نشعر بأننا مواطنون في هذا البلد وان خدمة الناس واجب علينا؟!
علينا أن نبتعد عن الأزمات ونفكر بجدية في حلول لها مهما كلف الأمر، فالبلاد والعباد أمانة في أعناقنا أمام التاريخ ، والتاريخ لا يرحم أبدا!