منذ حين، وأنا أتفاعل متألماً مرةً، ومبتهجاً متأملاً، آملاً، حينا، وربما غاضباً أيضاً، وأنا أتابع الأحداث والتطورات في بلادي، وخاصة منها ما يتعلق بمسارات عمل ونشاط حزبنا، الحزب الذي نماهيه بالآمال في عراق آخر، عراق يبزغ من جديد تطمينا لعشرات الآلاف من الضحايا والشهداء الذين إحتفينا بيومهم قبل حين، والذين استبسلوا وروت دماؤهم أرضنا ليأتي يوم يرى فيه شعبنا أنوار الإستقرار والإزدهار، ومرتكزات دولة مدنية ديمقراطية حقة. ومنذ أن قرأت الرسالة الألكترونية التي وصلتني عجلة داعية للعجل بلا تفكرٍ، في إبداء الرأي وتقرير مسألة مصيرية لنا رفاقا، وللناس التي ضامتها سنوات القمع والحصار، وثم نظام المحاصصات والنهب على ايدي المتصدرين الذين ركبوا موجات التمثيل الطائفي والأثني، بحثا عن جاه ووجاهات. تلت ذلك أسابيع وأنا أقرأ ردود الأفعال والمواقف، العجلة المستعجلة في التقييم والحسم دون المزيد من التعمق والتفكر. وزاد ألمي أن الكثير من التعليقات الصاخبة أتت من رفاق وأصدقاء أكن لهم وداً واحتراماً كبيرين، لمعرفتي بصدق سجيتهم وإخلاص توجهاتهم لما فيه خير شعبنا والبلاد، ويهمهم مصير الحزب باعتباره أداة تحقيق الآمال. وما أثار هياجي وكبتي لآلامي أن بعض النقد وصل حد التشهير والإساءة. وقد إستغل البعض الأمر، لتوجيه سهام الخبث تجاه الحزب ودروه حتى بلغ الأمر حد التحريض على المقاطعة وتضبيب المواقف.
خلال ذلك كنت أحرص على القراءة المتمعنة، وأراجع خلال ذلك كل محطات مسيرتي في الحياة وفي إطار الحزب منذ صباي ومنذ الإنتماء الأول عام 1969. واستذكرت مواقف وممارسات ربما سببت لي إشكالات ومصاعب داخل الحزب وأثناء إدائي لمهامي مؤمناً، جاداً، خلال كل المسيرة التي عشتها بانشداد وتفاعل وربما إنفعال كان سببا لعدم التفهم والإنتقاد في الكثير من الحالات، ومن قبل العديد من الكوادر والقيادات الحزبية، فقط لقصر الإستيعاب وادراك الدوافع والمسببات، وربما لأسباب ذاتية شخصية، ولا أستثني نفسي من إرتكاب أخطاء.
أذكر أن واحدة من حسنات تجربتنا الأنصارية المجيدة، أنها علمتنا الإبتعاد عن منهج التأليه للمواقف أو القادة. حيث كنا نقرأ كل أمر من الأوجه المختلفة وبوجهة إنتقادية، مقتربين من المبدأ التنظيمي السليم "النقد والنقد الذاتي". وكنا في ذلك نحاول الربط بين المسؤولية الشخصية والمسؤولية الجماعية، وباعتبار الفرد والكادر يمثل مفصلاً اساسيا في ميادين العمل والنشاط الحزبي التنظيمي والعام والجماهيري في ذات الوقت.
نعم وبصدق، لقد فوجئت بالطلب الالكتروني، خاصة وأنني كنت أتابع بحرص وربما بفخر وبهجة مسارات التقدم في تأسيس حركة (القوى التقدمية والمنية – تقدم) وهي تتصاعد باتجاه استكمال بناها استعداداً للإنتخابات. لم أحدد إجابة لأنني وبطبعي أحتاج للتفكر والتفكير، خاصة وأنني لم أفقه الحال وأسباب التحول المفاجئ، وهذه العجالة.
لقد استبشرنا خيراً بحركة الناشطين والناشطات المدنية وكنا ننشد إلى تحركاتها خاصة يوم التظاهر في كل جمعة. ورغم محاولات شخصنتها كنا نعقد آمالاً عليها وعلى قياداتها. وتفهمنا اسباب ودواعي نزول قوى أخرى، وفي مقدمتها الصدريون، الأمر الذي خلق أجواء تلاحم شارعي يومي بين المدنيين وبينهم. خاصة وأن شعاراتهم توحدت ضد الفساد ونظام المحاصصات ومن أجل الإصلاح والتجديد. وفرحت وزاد الأمل حين تلمست بعد المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي، معالم وعناصر الحد من محاولات الشخصنة للحركة.
استوعبت وبشكل مبكر، أن الهدف المركزي (حلقة النضال المركزية)، للشيوعيين وقوى اليسار والتيار المدني، هو تفكيك أسس وعناصر نشوء ونمو واستمرارية نظام المحاصصات الذي بتقديري، وبعيداً عن منهج الإتهام، بدأت أولى لبناته الأولى بتأسيس "مجلس الحكم" البرايمري. النظام الذي أطلق العنان لتسيد المصالح الأنانية ولسيادة الفساد والنهب لقوت الشعب، وفي جميع مفاصل الدولة العرجاء. على أرضية التراكمات للسياسات والممارسات التي قام بها نظام الحكم الدكتاتوري على مدى 35 عاما. وثم الإستثمار الفاضح لقوى ركبت وتقلدت موجات التمثيل الطائفي والأثني، على خلاف التقاليد التأريخية لشعبنا في التعايش السلمي والتعاضد المجتمعي.
وإلى جانب كل ذلك، وبعد التمحيص في المواقف كل المواقف والإنتقادات، والتبريرات أو التوضيحات، وبمسؤولية توصلت إلى أننا كشيوعيين وأخلص الناس والقوى لأهداف بناء دولة مدنية ديمقراطية، نقف أمام مسؤوليات تأريخية تجاه الشعب والوطن ونحن نسير نحو محطة أخرى من محطات العمل المثابر من أجل تغيير الموازين، ومحاولة الخروج من شرك المحاصصات وتثبيت عناصر وأسس متجددة، لبناء ما يصبوا إلى شعبنا ولو بالحدود الدنيا ونحو آفاق أرحب مع التعديل المستمر لموازين القوى. وأدركت أو حددت أن إتفاق أو تحالف "سائرون" هو إتفاق انتخابي، يتطلع إلى أن يكون تحالفاً استراتيجياً، لتجميع القوى الخيرة، وطنية، وديمقراطية ومن بين القوى الإسلامية المتنورة، في إعلاناتها وتحركاتها وبرامجها، والتي ستمتحنها السنوات القريبة القادمة. وللخلاص من نظام الفساد والإفساد. ومن هنا تشكل قناعتي بأهمية المضي في هذا الطريق، والعمل لاحقاً في تحقيق حلقات مركزية من الإتفاق، على أن نضع أمامنا الأمور التالية:
-
أن نعني بجدية وبتواصل، بتحصين وضعنا الحزبي الداخلي، وتعزيز منظماتنا بالتطوير النوعي لساسة الكادر واختياره، بعيدا عن المداهنات، والعلاقات والبحث عن مناصرين. والجمع الجدلي بين متطلبات العمل السري إلى جانب النشاط العلني لمواجهة أية متغيرات محتملة. واستنادا إلى تجاربنا السابقة في التحالف.
-
أن نعزز ونستند في عملنا ونشاطاتنا إلى الجماهر والعمل على ريادتها في تحركاتها المطلبية فهي سورنا الحامي، وماطور تحركنا المستقبلي.
-
استمرار بذل أقصى الجهود والفعل، لتحشيد وتوحيد قوى اليسار العراقي على إختلاف منابعه الفكرية والإجتماعية، وقوى المجتمع المدني على أساس البرامج والممارسات، وليس فقط الإدعاء! وبهذا نستمر بتحسين موازين القوى وخلق أداة أكثر فعلاً وتأثيراً، في مواجهة التطورات اللاحقة وللإستمرار على نفس طريق تحطيم حلقات نظام الفساد والمحاصصات وبناء ركائز الدولة المدنية ...
-
تجنيب الحزب ونشاطاته أية محاولات أو نزعات لشخصنة النضالات والتحركات، فلسنا بحاجة لقادة أبطال على حساب حركة الجماهير، بقدر حاجتنا لحركة جماهيرية يقودها حزب جماهير في الاشكال والمضامين.
-
وعتبة هامة في تحقيق ذلك، العناية بكادرنا والشاب منه بشكل خاص، وتربيته على أسس القيم والمبادئ، بلا نوازع ذاتية. فالأحداث الأخيرة بينت أن الكثير من العناصر التي جاءت بالإلتصاق باسماء معينة، ابتعدت بعد أن حققت أهدافها الذاتية ولست في محضر ذكر اسماء أو أحداث .... !!.
وأخيراً أدعوا الجميع إلى التفكير بكل سبل توحيد وترصين وحدة الحزب، والتفكير فقط بتعزيز وتوسيع دوره بين جماهير شعبنا وقواه الحية الوطنية والديمقراطية والمؤمنين المتنورين البعيدين عن أية صياغات للتكفير وفرض الأحكام بلا تفكر باختلاف المراحل والعصور في الموقف من الدين وعلاقته بالدولة والسياسة! فلنمضِ نحو الانتخابات موحدين ولنحشد للتصويت لصالح مرشحي الحزب في إطار "سائرون" فقد أمسى ذلك السبيل المركزي في جهودنا الوطنية وإلا فهو الهدر للقوى، وهي الخسارة التي ما بعدها خسارة ..