أنا مع الحزبِ الشيوعي في الانتخاباتِ المقبلة ، ليس لشعاره طيّب الذكر "وطنٌ حرٌ وشعبٌ سعيد" ، فمِن سابع المستحيلات أن يتحققَ هذا الشعارُ مع أيِ وطنٍ أو شعبٍ على وجهِ الأرض في عالم المحاور والتكتلات المهدّد بالتقلبات الأقتصادية والخرائط المحتملة والأمراض الغامضة وتراجع القيم وتعقّد سبلِ المعيشة وأنماط الحياة الاستهلاكية المتشعبة، فضلاً عن المصائر الحتمية التقليدية للبشر في هذه الدنيا. لكنَّ حَسَنَة هذا الحزب أنّ فولكلورَه وأدبياتِه هي الشيء الوحيد الذي يذكرنا بالإنسان الطبيعي والثقافة المنفتحة، وصيانة الحريات العامة، والتحرر من الخرافات وعبادة الاشخاص واليقينيات التي تحولت الى بضائع ودكاكين.
ففي بلادنا التي غَزاها جَراد الفساد والإرهاب وانهيار القدوات أمام الأجيال الجديدة التي بدأت تشككُ بكل القيم والثوابت ، لابُدّ من مشروعِ ضوءٍ في هذا الظلامْ. قد تكونُ لنا ملاحظاتٌ على جميع الأحزاب العلمانية والدينية خلالَ مسيراتها الطويلة ، لكننّا لابدّ أنْ نتخلّص من بضاعاتِ الوهمِ والتعبئةِ المثالية غيرِ المنضبطة التي تؤجّجُ المجتمعَ بلا هدف.
وسط دوامةِ من لغةِ الكراهية والتخوينِ والتخويف وقوافلِ الشهداء وأفواج النازحين وشتاتِ المهاجرين ، الشيوعيون الآن هم الاتجاه المغري الوحيد الذي يقاوم ذلك. مهمتهُم صعبة ، لكنّ أهدافهم كيفما كانتْ فهي أكثرُ رحمة ورأفة ونظافة يد من الأحزاب الشرسة والشخصيات اللزجة التي التفّت بعباءاتِ التقوى المزيفة لتخطفَ الوطنَ وشعبَه.
اليوم نحن مقبلون على انتخابات، هذه المرة غير مجدية تماماً ، لانها خلت من روح التواضع والأنسحاب المشرّف لبعض العجائز الذين أعترفوا بالفشل أو انخدعوا أو خدعوا زملاءهم وابناء دينهم ورفاقهم وفرّطوا بأعز وأهم سنوات الأمل العراقي. اليوم بصلافة فذة يعرض هؤلاء وجوههم أمام مجتمعٍ يكرههم، وجمهور يسخر منهم. بل إن بعضهم يحملون على رؤوسهم تيجان الكرامة التي هي ملك آبائنا وأمهاتنا ويحكموننا باسم أدياننا ومذاهبنا ،حرامُهم محصّن وحلالنا مباح وعلينا ان نفرح في نهاية المطاف ، لان حصة الشيعة سيستلمها فلان الفاشل الفاسد ، وحصة السنة سيستلمها فلان المتواطيء الفاسد.
لن يغيب ذلك عن الناس سواء صوتوا او قاطعوا، قبلوا رشوة او ضحكوا على المرتشين ، لن يغيب عنهم وهم يعرفون سلفا كيف ستدار الطاولة ومن الذي يشرف عليها.
الحزب الشيوعي أينما حلّ ومعَ مَنْ تحالف هو الوحيد دواء ذلك الداء العضال. صحيح انه دواء بطيء وربما غير مؤثر مع المناعة التي يتمتع بها (المجرَّبون) ، لكنه بالنهاية دواء لدينا ، وحين يصطف معه الليبراليون ودعاة المراجعة الجادة والاصلاح الحقيقي والناس الأحرار جميعاً ، سيكون ضوءاً في هذا السديم المطلق، ضوءاً في ظلام هذه البلاد حتى وإنْ كانَ من مصباح واحد.

عرض مقالات: