قبل ستين عاماً بالتمام والكمال، تفجر ينبوع الغضب الجماهيري، في ثورة عارمة، ابتدأتها قواتنا المسلحة الباسلة، وأيدتها الملايين لحظة أنطلاقها، لتدك صروح الظلم والطغيان والولاء للأجنبي، التي شيدها الحكم الملكي المباد.

أنها ثورة (14) تموز، التي غيرت المجتمع العراقي بكامله، وأوصلته الى تخوم الحداثة، وأعادت تشكيل خارطته السياسية و الطبقية والاجتماعية، ووفرت فرصة تاريخية، قلما يجود الزمان بمثلها، للخروج من نفق التخلف والاستبداد والتبعية إلى شمس الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم.

كانت الغالبية العظمى من أبناء شعبنا العراقي، تعاني الأمرين من النظام الملكي، الموالي للاستعمار والإقطاع، سواء على الصعيد السياسي، حيث أعتقل وعذب وشرد آلاف المواطنين على أختلاف اتجاهاتهم السياسية والفكرية، وأعدم العديد من خيرة أبناء شعبنا، وفي طليعتهم قادة حزبنا الاماجد "فهد، حازم، صارم" وجوبهت المظاهرات السلمية بقوة الحديد والنار، بما في ذلك التحركات المطلبية للعمال والفلاحيين، وسائر الفئات الاجتماعية، وسعى الحكام الى ربط العراق بالأحلاف العسكرية الاستعمارية، كما أصدروا المراسيم المعادية لحقوق الإنسان والديمقراطية والغوا إمتيازات الصحف والجمعيات المجازة رسمياً، وأعلنوا الأحكام العرفية مرات عديدة.

وعلى الصعد الاقتصادية - الاجتماعية كانت اجراءات العهد الملكي الرجعي سيئة الى أبعد الحدود، وبلغ التفاوت الطبقي مديات فلكية في المدينة والريف.

بل أن الثالوث المقيت (الفقر والجهل والمرض) أسدل عباءته السوداء على حياة عموم العراقيين، عدا الحكام وحلفائهم من الإقطاعيين، والتجار الكبار. وكما معروف، فعندما تنعدم أو تتضاءل إمكانية الإصلاح، تتقدم الثورة الصفوف، وتصبح ماَلاً، لا بد منه، فالشعب يمهل ولا يهمل.

وقد إستطاعت ثورة تموز المجيدة، تحقيق ما يفخر به الوطنيون العراقيون من أنجازات، لم تحقق عشر معشارها كل الأنظمة التي جاءت بعد إغتيالها بما فيها نظام المحاصصة الطائفية الاثنية، المشيد على رمال متحركة عقب إسقاط النظام الدكتاتوري على أيدي المحتلين الأمريكان.

في العام الأول لثورة (14) تموز شارك ملايين العراقيين لأول مرة في حياتهم في نشاطات سياسية وجماهيرية قل نظيرها، وتمتعوا بحريات واسعة، فكان هذا الزخم الجماهيري رافعة أساسية لإصدار قوانين تقدمية في الإصلاح الزراعي والأحوال الشخصية والقطاع النفطي، والتعليم والصحة والسكن، والخروج من الأحلاف العدوانية، وعقد اتفاقيات إقتصادية وفنية وتجارية مع الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية الأخرى، ساعدت كثيراً على نهوض البلاد صناعياً وزراعياً وعلى تحقيق الاستقلال الناجز للجمهورية العراقية.

لا نحتفي بثورة تموز في كل عام من منطلق الاعتزاز بها وبقادتها الشجعان وحسب، وإنما لأننا أحوج ما نكون في الوقت الراهن الى استلهام دروسها وعبرها أيضاً، وفي مقدمتها وحدة الصف الوطني، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، والتحلي بالنزاهة، والضمير الحي، بعيداً عن المحاصصة والطائفية السياسية  وسائر الهويات الفرعية.

ان حصيلة السنوات الخمس عشرة الماضية لم تات  بالحد الادنى مما يريده  ويتطلع اليه المواطن العراقي ، واشرت الفشل الذريع في مختلف مجالات الحياة، الأمر الذي أدى إلى حراك جماهيري واسع، أستمر لما يقارب الثلاث سنوات، وسيطول عمره إلى أن تحقق الجماهير أهدافها المشروعة في أصلاح العملية السياسية، ومكافحة آفة الفساد، وتوفير الخدمات التي حرم منها العراقيون، كما لم يحرم شعب أخر في كل دول العالم.

وكما إنتصر العراقيون وأبناؤهم البررة في القوات المسلحة على داعش وفكره الظلامي، سينتصرون لا محالة على كل الفاسدين والفاشلين الذين لم يفعلوا شيئاً طيلة السنوات العجاف الماضية، سوى دفع العراق و العراقيين صوب الهاوية، وها هي إرهاصات التغيير والخروج من النفق المظلم، تلوح في الأفق، يجسدها بشكل واضح تحالف "سائرون" العابر للطائفية، والقادر على إيصال العراق إلى بر الأمان، مع كل الخيرين في هذا الشعب المعطاء، من مدنيين وديمقراطيين، وإسلاميين متنورين، ومستقلين، الذين يتوجب ان يوحدوا قواهم، وجهودهم النبيلة، لاجتراح مأثرة إنقاذ العراق من مأساته الراهنة والعمل الجدي من اجل تلبية حقوق ومصالح شعبه.

عاشت الذكرى الستون لثورة (14) تموز المجيدة

الظفر والنجاح للشعب العراقي بكل أطيافه الجميلة

 اللجنة المركزية

للحزب الشيوعي العراقي

اواسط تموز 2018