قوى عديدة منها داخليّة وأخرى خارجيّة تدعو الى الحوار المباشر بين التيّار الصدري والأطار التنسيقي الشيعي، بدعوتهم الطرفين للجلوس الى طاولة المفاوضات لنزع فتيل الأزمة التي بالحقيقة، هي أمتداد لأزمات البلد السابقة والتي كان الطرفان ومعهما بقية قوى المحاصصة سببا رئيسيا في أستفحالها ووصولها الى ما هي عليه اليوم.

 لو تابعنا ما تسمّى بالعمليّة السياسيّة ورعاتها الأقليميين والدوليين منذ الأحتلال الأمريكي الأيراني للبلاد ولليوم، فأننا سنرى ومن خلال كمّ المشاكل الهائلة التي ساهمت وتساهم بتدمير البلد، أنّ جميعهم وبلا أستثناء لم يكونوا يوما جزءا من حلول تعيد العافيّة لوطن أنهكته الحروب والحصار والفساد، بل على العكس فجميعهم وبلا أستثناء لاعبون أساسيون في دمار البلد وشعبه.

 لم يتخلّف أقليم كوردستان العراق هو الآخر عن غيره ونحن نعيش صراع القوى الشيعيّة لأنتخاب رئيس للوزراء، عن طرحه مبادرته للقوى المتنافسة للأجتماع في أربيل من أجل تقريب وجهات النظر بينهما لأبعاد شبح الحرب الاهليّة والتعرّض للسلم المجتمعي والأمن والأستقرار وكأنّ العراق واحة للأمن والأستقرار!! وبهذا الصدد صرّح السيّد نيجرفان بارزاني رئيس أقليم كوردستان العراق، وهو يدعو القوى المتصارعة الى الأجتماع في أربيل قائلا: "أنّ أقليم كوردستان سيكون ، جزءا من الحلّ، لذا ندعو الأطراف السياسيّة المعنيّة في العراق الى القدوم الى أربيل، عاصمتهم الثانية، والبدء بحوار مفتوح جامع للتوصل الى تفاهم واتفاق قائمين على المصالح العليا للبلد، فلا توجد هناك مشكلة لا يمكن حلّها بالحوار". دعونا نعود الى أصل المشكلة التي نراها اليوم ومن أين بدأت، علما أنّ مشاكل البلاد تتوزع بالتساوي على كاهل أطراف أحزاب السلطة المتحاصصة.

 آليات تشكيل الحكومة بالعراق تمر بمراحل عدّة، أولّها مصادقة المفوضيّة العليا للأنتخابات على نتائج الأنتخابات. ثم يأتي دور رئيس الجمهورية الذي يدعو البرلمان الجديد للأنعقاد خلال فترة خمسة عشر يوما، لأنتخاب رئيسا للبرلمان سنيّا ونائبين له أحدهما كوردي والآخر شيعي وفقا لمحاصصة طائفية قومية "لم يشر الدستور اليها الّا أنّها عرف في السياسة العراقيّة"، وهذا ما نصّت عليه المادة (55) من الدستور العراقي التي تقول "ينتخب مجلس النواب في أول جلسة له رئيسا، ثم نائباً أول ونائباً ثانياً بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بالانتخاب السري المباشر". ثم يأتي دور البرلمان المنتخب لتسمية رئيس جديد للعراق خلال ثلاثين يوما من أنعقاد الجلسة الأولى، وفق للمادة (70) من الدستور العراقي التي تقول: "ينتخب البرلمان رئيسا جديدا للعراق خلال 30 يوما من أنعقاد الجلسة الأولى بأغلبية ثلثي الأصوات" وجرى العرف أن يكون الرئيس كورديّا.

 وتنص المادة (70) من الدستور العراقي على ما يلي: "أولّا، ينتخب مجلس النوّاب من بين المرشّحين رئيسا للجمهوريّة بأغلبية ثلثي أعضاءه". وأخيرا تأتي المادّة الدستوريّة رقم (76) من الدستور العراقي لتضع العجلة الديموقراطية على سكّتها القانونيّة والتي تقول: يكلّف رئيس الجمهوريّة مرشّح الكتلة النيابيّة الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ أنتخاب رئيس الجمهوريّة.

 جميع أحزاب السلطة ومثلما أشرنا قبل قليل هي أساس المشاكل التي تعصف بالبلاد وشعبها، وجميعها ضربت وتضرب المصالح العليا للبلد عرض الحائط وهي تفتّش عن مصالح أحزابها وعوائلها وعشائرها، وجميعها مسؤولة عن أفقار شعبنا ونهب ثرواته، وجميعها بلا أستثناء تدافع عن مصالح دول أقليمية ودولية وعلى الضدّ من مصالح شعبنا ووطننا. وبالتالي فأنّ تصريح السيّد نيجرفان البارزاني حول أنّ "الأقليم جزء من الحلّ" ودعوته الطرفين للجلوس الى طاولة واحدة في أربيل هو بالحقيقة محاولة من سلطات الأقليم لخروج الوضع السياسي من عنق الزجاجة والعودة الى الأسلوب الذي لا يشكل خطرا على نهج المحاصصة، أي الأستمرار في نهج المحاصصة وتوزيع كعكة السلطة كما كانت توزّع سابقا.

 لو أعدنا ترتيب آليات تشكيل الحكومة بالعراق من الأسفل للأعلى، فأننا سنرى التحالف الكوردستاني هو سبب المشكلة "علما انّ المشكلة العراقيّة مساحتها أوسع بكثير من مساحة التحالف الكوردستاني". فالصراع بين الحزبين الحاكمين في أربيل والسليمانيّة وأصرارهما على مرشّحيهما لتبوأ منصب رئاسة الجمهوريّة، هو الذي وضع العصا في دواليب عربة الديموقراطيّة البالية، والتي بالحقيقة لا تحتاج الى عصا كي تتوقف، فهي لم تتحرك من مرآبها المكيّف منذ أن وُضعت فيه لليوم، وعدم أنتخاب رئيس للجمهورية ينسف كل الآليات التي تترتب عليه، فهو حجر الرحى في الدستور المريض الذي يرفض التحالف الكوردستاني كما غيره من قوى المحاصصة تعديل بعض بنوده ، على الرغم من تشكيل لجنة لتعديله بعد أشهر من أقراره!!

ما أحوج الأقليم لجلوس حزبيه الحاكمين الى طاولة مفاوضات حقيقية من أجل حلّ مشاكلهما التي أثّرت وتؤثّر على حياة الناس في الأقليم، كما وأننا نفهم سعي سلطات الأقليم لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في بغداد، فأنهيار نظام المحاصصة في بغداد يعني أنهيار حكم العوائل والعشائر في العراق بأكمله.

 

عرض مقالات: