في البداية ارجو من القارئ الكريم، الإنتباه الى ملاحظة مهمة أوردها هنا، وهي إني ، بعد ٌقليل من الإستطراد في الموضوع بعموميته،سأبحث في خصوصية مشكلة ومشكلات إستكمال مستلزمات بناء الدولة وإدارتها والمعرقلات.

المشكلة والمشاكل ، قديمة قدم الكون، والمشاكل الخاصة بالحياة ومنها الحياة البشرية، متواصلة ومترابطة ، بهيئة أسئلة، متتابعة تستلزم بعضها. فلا نكاد نمسك بالمشكلة الرئيسية ، حتى تتولد لدينا مشكلة اخرى تنبع منها. ولذا ليس من السهولة، ان نحدد أي منها مشكلتنا الآنية الملحة ، ما لم نحدد اللحظة الزمنية ، والهدف من تحديد المشكلة. ولذلك كان عنوان موضوعنا فقط في البحث عن المشكلة وليس في البحث عن حل لها ، وبعد هذا الإستطراد ، لابد لنا ان نتوقف لغويا ومعرفيا عن معنى يفي بالغرض لكلمة المشكلة يورد معجم المعاني وهو معجم عربي عربي ، شرحا لمعنى مشكل (بضم الميم وتسكين الشين وكسرالكاف) حيث إن المشكل: هو ما لا يفهم حتى يدل عليه دليل آخر، وهو امر صعب ملتبس غامض.

وجمع المشكل مشكلات ومشاكل. ودائما ما تكون مسألة المشكلة، هي المسألة الأهم، في كل عملية بناء، فإيجاد المشكلة، ووضع الحل المناسب لها يمثل حجر الزاوية، لكل قضية يتم التصدي لها ، بالبحث، والحلول. فعندما يشرع باحث ما ، في إعداد بحثة، يتبع الخطوات المناسبة ، ومن ضمن هذه الخطوات المهمة هي خطوة "مشكلة البحث"، وما هي المشكلة التي حتمت كتابته ، وتكون على شكل سؤال على الدارس الإجابة عنه. وفي مقدمة بن خلدون، نجد فيلسوفنا الكبير، وجد بعبقريته المشكلة الرئيسية التي إستلزمت قيام الدولة، حيث يرى إن ضرورة الإجتماع الإنساني إستلزم قيام الدولة. إذ إنه يرى إن ألإجتماع الإنساني، حتمه شيئان هما :

1 - من أجل الحصول على الغذاء

2 -  من اجل الحصول على الأمان من الحيوانات الضارية.

منذ بداياته الأولى تصدى الإنسان للمشكلة التي يواجهها في محيطه الإجتماعي ، وتلك المشكلة كانت تتعلق بحاجته أن يعيش ، وأن يقاوم في تلك البيئة القاسية المتوحشة ، فوجد الحل في التعاون للحصول على الغذاء، وللحصول على الأمان، فكان الحل عمليا ، يتطلب صنع ادوات البحث عن الطعام وحمله وادوات الدفاع عن النفس من الحيوانات الكاسرة المفترسة ، واكتشاف ما يقيه من البرد، وهذه المكتشفات والمخترعات أستغرقت منه سنوات طوال، وكم صاحب هذه العمليات من اخطاء وسهوات ادت الى نتائج كارثية.

وعندما تأمل الأنسان اكثر في دراسة الطبيعة حوله وفي دراسة مجتمعه وفي دراسة وصياغة أفكاره واسرار عملية التفكير ، تجلت له الأفكار الفلسفية والمعرفية. وتوسعت مداركه العقلية ، فلم يتوقف عند حدود المعنى الحرفي للكلمة المراد الوقوف عندها ، وبذلك أصبح معنى كلمة المشكلة اوسع وارحب ، فصارت تعني كل هدف يرجوه الإنسان، ويرتجي الوصول اليه، وهكذا اصبح كل عمل يمكن ان يؤديه الإنسان، بمثابة المشكلة الماثلة امامه بمعناها الواسع . وهي اما مشكلة خاصة بإنسان واحد ، فمثلا تلبية حاجة خاصة لإنسان واحد، مثلا شراء حذاء، أو مشكلة لمجموعة صغيرة من ألأفراد، كمشكلة ركاب حافلة ركاب يريدون الوصول الى مدينة معينة ، او تخص المجتمع كله ، كمشكلة الدفاع عن الوطن من الغزاة.

تاريخيا تجسدت أهمية القضايا الحقوقية والقانونية، في الحياة الإجتماعية ، ففي بلادنا بلاد ما بين النهرين مثلا صيغت اقدم القوانين ، التي تحمي الناس من المتجاوزين ومن السراق ، فجاء قانون ملك اور السومري (اورنمو)، في القرن الحادي والعشرين قبل الميلاد لتليه قوانين شريعة حمورابي الملك البابلي، هما قريبا الشبه من بعضهما ، ومن هذين القانونين جاء مبدأ العين بالعين والسن بالسن رغم التفاوت في التطبيق في حالة العبيد وفي حالة الأحرار. ومع ظهور الدول، وتنامي مؤسساتها، وميلها أكثر فأكثر نحو التخصص تعاظمت مسائل بناء الدولة ككل وبناء مؤسساتها المستقلة عن بعضها البعض ، وبرزت الى السطح مجموعة المشاكل المرتبطة ببناء الدولة ، وهي مشكلة تهيئة الكادر الوطني، الذي يتحمل مسؤلية إدارتها ، ومشكلة قوانينها الإقتصادية والسياسية والإجتماعية ، مشكلة التمويل المالي ، لإدامة هذه المؤسسات، فأصبحت الحاجة لمسك الحسابات المالية ، والتفكير والعمل على بناء إقتصاد متين للدولة متنوع، غير ريعي. وبرزت اكثر مشكلة توفير الخدمات الضرورية للمواطنين . وكانت ايضا مشكلة بناء علاقة الدولة المعنية بباقي دول العالم.

إن المتصدين لإدارة الدولة ، وضعوا نصب أعينهم قضية حق المواطنين في العيش الكريم، مما يعني تمتعهم بالحريات والحقوق الإنسانية، التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .أي إن الدولة ترعى كل ما من شأنه أن يتيح للمواطنين التمتع بالحياة في وطنهم، والشعور بإنسانيتهم ، من قوانين ومنشئات، ومراكز ثقافية وترفيهية وتمتعهم بحق العمل والسكن والتنقل في البلد........الخ. وتربية الإنسان على تغليب المصلحة العامة،وإحترام القانون ، والعمل على تطوير البلد والمساهمة في بناءه من خلال تطوير المدارك والمعارف والسعي الدائم لمواكبة التطور والتقدم. والسهر على تحقيق المساواة في البلد ، ومساواة المرأة بالرجل ، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص. ونبذ المحسوبية والمنسوبية، والتمييز الطائفي ، والحزبي ، والأثني، والديني والمناطقي.

وتلعب التنمية دورا مهما في تطوير البلد ، وتطوير مواطنيه ، وكذلك تنوع إقتصاده، وتطوير صناعاته ، وتعديل ميزانه التجاري لصالح تصدير السلع المصنعة، هكذا تسعى الدول في دأبها على حل المشاكل التي تتمثل امامها . وكل ذلك يستدعي ويستلزم وجود أناس نذروا أنفسهم ، لحل مشكلات السير بالدولة على طريق التقدم وبنائها بناءا راسخا لمصلحة الشعب والوطن ، وبذل الجهود الجبارة لحل مشاكل التنمية البشرية ، وسيادة القانون ، والسهر على تشريع القوانين الإجتماعية ، والقوانين الجنائية ، الهادفة لتعزيز سلطة الدولة ، ووضعها حيز التطبيق ، ومعالجة ومكافحة التراخي ، واللامبالاة في تطبيق هذه القوانين ، والسهر والحرص على ضبط الحسابات المالية، والإستعانة بالخبرات المحلية والأجنبية ، لمنع حدوث الفساد، والتلاعب بالمال العام ووضع الأسس والقوانين الصارمة لعمل المرافق الإقتصادية ، الإنتاجية منها والخدمية ومراقبة أدائها المتمثل بحرصها على إتمام اعمالها، بما يضمن مصلحة تطوير البلد ، ومن المشاكل المهمة التي تبرز امام الدولة والقائمين على إدارتها ،هي دخول الدولة في مجموعة من الإلتزامات الدولية ، والإتفاقيات ، والتعاون الدولي الذي يؤمن مصلحة الدولة ومواطنيها ، وحقوق المنظمات الدولية ، والإلتزام بالقانون الدولي .

والآن لو تأملنا في المشاكل الآنية التي تواجه بلدنا الغالي العراق، سنجد إن هنالك وضعا معقدا ومركبا ، فكما معروف ، إن مشكلتنا الأساسية في العراق تكمن في تفشي الفساد ، والسرقة العلنية للمال العام. مع ملاحظة إن المفسدين والسراق لم ينزلوا علينا من السماء، بل جرى إنتخابهم ، من قبل الناخبين ، بغض النظر، فيما إذا كانت هذه الإنتخابات نزيهة او غيرها ،ورغم ما دار من لغط حول المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات  وحول كيفية إدارتها .

وبالتالي فإن إنغمار المفسدين في فسادهم ، مهد لعملية تفكيك الدولة بشكل غير مرئي ، هذه العملية عطلت قدرات الدولة وجعلتها تفقد سيطرتها فاصبحت البلاد مسرحا ، لعصابات الجريمة المنظمة ، وفقدت القوانين المدنية محتواها ،وتم التلاعب بالقوانين المسيرة لشؤون الدولة ، ناهيك عن تزايد نفوذ الدول الإقليمية في الشأن العراقي ، واصبحت خطط الدولة وقوانينها مجرد أقوال، ففي كل يوم تدل الأحداث على ما يدل على ذلك ، ويضاف الى ذلك ما زالت مخاطر داعش قائمة ، وما زال مصير بلادنا يخطط له من خارج حدودها. تلك هي بعض من المشكلات التي تتمثل امام من يرغب في التصدي للمفسدين واساليبهم الملتوية.